جانب صورته - صورة أبيه في صباه، جالساً على الحصير من كتاب سيدنا، وبين يديه لوحه وكتابه، وهو يهتز هزات متوالية، ويدور بعينيه بين الصبيان يبادلهم الحديث غمزات ونظرات. . . . . .
واستمر المفتش في حديثه يقول:
هل كان هذا الطفل ومثله معه من أطفال الروضة، إلا لعنة حية تذكرني ما كان من جناية سيدنا علي في صباي وتؤرث البغضاء في قلبي!
. . . وتنقلت في مدارس عدة، حتى بلغت أن أكون مفتشاً. . وعلى أني كنت أعلم ما يلقاه المفتشون من المشقة والجهد، وما يتحملون من النصب حين تضطرهم تكاليف الوظيفة أن يبيتوا ليالي عدة بعيدين عن أسرهم وأولادهم متنقلين بين القرى والدساكر - فإني كنت جدَّ مغتبط بما أُسند إليّ من عمل؛ لا زهواً بالمنصب، ولا رغبة في الجاه؛ ولكنها كانت أمنية قديمة في نفسي، ليكون لي منها فرصة لتطهير القرى من مثل كتّاب سيد الشيخ عند الجليل. . .
أكان ذلك مني عن إخلاص وحرص على مصلحة التعليم، أم كان إيحاء من الواعية الباطنة التي تختزن الذكريات إلى إبانها، تحاول أن تخدعني به عن حقيقة الشعور الذي يضطرم في نفسي بالحقد والبغضاء لسيدنا؛ فتدفعني إلى محاولة الثأر والانتقام وهي تسمى ذلك إخلاصاً في العمل وحرصاً على مصلحة التعليم. . .؟
لست أدري، ولكن الذي كنت أوقنه يقيناً لا شبهة فيه، هو أنني كنت فرحاً بذلك، طيب النفس به؛ فما كان لي من بعد إلا أمنية واحدة، هي أن يكون كتاب سيدنا الشيخ عبد الجليل في دائرة عملي!
ومضت سنوات قبل أن تتحقق لي هذه الأمنية!
. . . ورسمت خطتي وحددت نهجي، ودنا اليوم الذي اخترته ميعاداً لزيارة الكتاب الذي دخلته أول يوم ترف على شفتي بسمة الرضا والسعادة، وفارقته يوم فارقته محمولاً على أكتاف الناس غائباً عن الوعي مما نالني من خوف سيدنا؛ ثم لم أمش بعدها إلا متوكئاً على عكاز! وصحبتني أبالسة الشر يومين كاملين في يقظتي وفي منامي قبل أن يحين موعد هذه الزيارة؛ فما انتفعت فيهما بنفسي ولا انتفع أحد