أيديهم ملساء ناعمة لم يجر عليها العمل الشاق. وجباهم منبسطة مطمئنة لم يبللها عرق الكفاح، وليس على وجوهم ثوب الذل الذي نسجه على وجه الضنك والزمان اللئيم. . ذكر كبرياء بعض السادة وعجرفة بعض السيدات. وخشيتهن على أثوابهن الجميلة أن تمسها سترته الخشنة أو يداه الشقيتان.
ذكر كم منهم ومنهن يندفعون الى باب المركبة وهو يهم بالمسير فتكاد أقدامهم تزل، فيقتحمونه بأبصارهم وتزدحم أفواههم بكلمات الازدراء والتحقير، ويصعقونه بأبصارهم الآلهة وهم يصرخون (يا اعمى) بينما يقيدون (نمرته) في مذكراتهم ذات الجلد الجميل المزركش، ليبلغوا شكواهم الى الشركة، حتى تجزيه بخصم بضعة أيام من راتبه!. . كم من الأيام عمل بلا اجر، بفضل هذا العنف من الناس! كم غضب ويئس وطاش حلمه. ورد لو يقتاد المركبات الى النيل لينتقم ويستريح. . عاد الى حلق المعلم لوقا طعم المرارة الذي يغص به المضطهد والمظلوم. وامتدت انامله المرتجفة الى القطعة النحاسيةالمعلقة بياقته. وقد نقشت عليها (نمرته) فأحسن كأنه مسجون محكوم عليه بالعمل الشاق مدى الحياة، وغمغم. (يا رب رحماك!. .)
ونظر في ساعته. . . بعد قليل سيعود الى القاهرة. سيجمع في طريقه الخارجين من المسارح والصالات. عشاق مسرات الليل زبائنه الدائمين، وشر الراكبين. رحم الله ايام الماضي! لم يكن الناس قد تعلموا الافراط في السهر، فلم يكن الطريق يزدحم عندما ينشطر الليل. وكان يسوق بسرور واطمئنان لا يخشى شيئاً، لأن الطريق خال والناس في مضاجعهم يستقبلون احلام الفجر. . أما الآن فيجب ان يجلو أعصابه ويشحذ حواسه، ويلزم جانب الحيطة والحذر، لأن الحانات بدأت ترفض المتهالكين على الشراب، وتطرد النائمين فوق الموائد. وهم الآن مبعثرون في الطريق يترنحون وقد يحلو لبعضهم أن يداعب السائق، أو يغني وهو جالس بين القضبان!.
وقد بدأت الصالات والمراقص تلفظ روادها. دور الدعارة تتقيأ من ابتلعتهم أول الليل. والفتيات خارجات من دور السينما في رفقة الفتيان! في ذراع كل فتاة شاب! والذراع حار! لا تحلو لهم إلا حفلات الليل! تنهد (المعلم لوقا) وهو يفكر ويحدث نفسه: رحم الله ايام زمان! أيتغير الناس هكذا! أين جيل (كتورة) وعهد الحرائر! أين الثياب الفضفاضة! أين