البرقع الابيض. واليشمك، والحبرة! ذهبت الحشمة وولى الوقار الادبار من (بر مصر)!. . ولم يعد النساء يعنين بصيانة أجسامهن من عبث الناظرين لا يرى فقدت هيبتها وأصبحت وسيلة بنات البلد لهز الاارداف!. .
ومض السخط في عيني (المعلم لوقا) وحوقل وهو يعيد في ذهنه صورة هؤلاء الفتيان الذين وقفوا بجانبه بالأمس بعد منتصف الليل. كانت رائحة الخمر تنبعث من أفواههم، والكلمات البذيئة تتكاثر عند شفاههم كما يتكاثر الذباب عند الأقذار. كانوا يتهامسون متهكمين بطربوشه الباهت الملوث، وكيف اسودات حافته. . . وأخذ يجذب شعرات شاربه بعنف وأنامل متوترة!. .
واتسعت حدقتاه فجأة!. . صور عنيفة كانت تخطر أمام عينيه! ذكر أنداد هؤلاء الغلمان من أربعة عشر عاماً خلت. . كانوا رجالا بأرواحهم فتياناً بأجسادهم. لأن الزمان كان يخلق في الفتيان جهد الرجال. كانت الأرواح كاملة النمو تامة النشاط. لم يكونوا يتحدثون عندما يقفون خلفه عن الفتيات والموادات، لأن حديثاً آخر كان يشغلهم. ولم تكن تنبعث من أفواههم رائحة الخمر بل قد كانت تقبل الى قفاه اذ يتناقشون أنفاس حارة، نرسلها صدور ألهبها الشوق للحرية. لم يكونوا ضاحكين ساخرين، بل قد كانوا أغلب الوقت حزانى واجمين، ينظرون في صحف الليل فيصمتون ويطيلون الصمت، وهم يحدقون في أعمدة الصحيفة بيضاء لا كتابه فيها، لأن يداً تحب مصر تبعثر الحروف المصفوقة حتى لا تستيقظ الأرواح لكن الأرواح يقظي متنبه، تقرأ الحديث، وتعلم الخطب وإن لم يكن كتوباً!. .
لم يكونوا يتهكمون به، بل قد كانوا يحدثونه عن مصر الفتاة، والمستقبل، والأيام الآتية!. . ويناشدونه ان يلبي داعي الوطن يوم يطلب الوطن المضني دماء بنيه يجدد بها الحياة.
وازدحمت أمام عيني (المعلم لوقا) الصور المجيدة. وبكى كأن العام ١٩، والتلاميذ عائدون من مدارسهم يملأون الترام ويكونون مواكب جميلة متنقلة هاتفة للحرية! وهو القائد لهذه المواكب لانه السائق، قائد فخور تياه، لا يزعجه رفيف الرصاص، تطلقه أيد أثيمة. مشتاقة لابادة الارواح. دائبة على صراع الأحرار. وتمثل في ذهنه صورة الفتيان وهم يسقطون مجندلين يهزون الأعلام في أيديهم وهم يتخبطون في دمائهم. وذكر كيف غلى الدم في