نفسه كالجندي عليه أبداً أن تكون حماسته هي روح الحرب فيه، فهو يمشي بها في كل عمل، ولو في نقل البريد من مكان إلى مكان. إذن فأول الإصلاح الاجتماعي هو إدماج عواطف الفرد في مصالح الجماعة على أتم صورة من صور الحماسة إي القوة التي تنبعث من الدم لتطهير الدم؛ وهذا بعض ما نتوافى عليه مع الدكتور هيكل إذ يقول في مقاله الذي أشرنا إليه آنفاً (لم يفكر أحد في مشكلاتنا الاجتماعية واضعاً نصب عينيه غاية قومية يريد أن يحققها، بل ترانا إذا فكرنا في الأمر كان الدافع لتفكيرنا فيه عواطف الشفقة أحياناً، والبر بالإنسان أحياناً أخرى، وهذه عواطف قد تحمد في الأفراد، لكنها لا قيمة لها في حياة الجماعة. ويوم فرض الله الزكاة في الإسلام وقرن بها الصدقة لم يقيم الشارع ذلك على أساس العاطفة الفردية، بل أقامه على أساس النظام الاجتماعي).
والكتابة هي زكاة العلم، فيجب أن تقوم على هذا الأصل الفردي المتحمس المتدفق بتياره في أعصاب النظام الاجتماعي، فإذا اتخذها كتابنا على هذا وتكلموا بقلوبهم قبل ألسنتهم وأقلامهم كان ذلك قميناً أن يبعث الرجل الذي سوف يضيء للحياة الاجتماعية سُدَف الجهل والضعة والبغي والاستبداد
أبو العباس السفاح أمير المؤمنين
أثار الأستاذ العبادي في (الثقافة) عدد (٤٧) مشكلة ابتغي حلها، وذلك أنه وصف حلية (أبي العباس أمير المؤمنين) أول خلفاء بني العباس كما رواها المؤرخون من أنه كان (ذا شعرة جعده، طويلاً أبيض، أقنى الأنف، حسن الوجه واللحية) وكان (شاباً متصوِّناً عفيفاً حسن المعاشرة، كريماً معط) إلى نهاية ذلك من كريمات الخصال. ثم استبعد أن يكون هذا الإنسان الرقيق أهلاً لتلك الصورة البشعة الطاغية التي تخلعها عليه معاني هذا الحرف (السفاح) من الجريمة وسفك الدم والرغبة في ذلك والمبالغة فيه. واحتفل الأستاذ للحوادث التاريخية فلم يجد فيها ما يسوِّغ أن يكون (أبو العباس أمير المؤمنين) سفاحاً سفاكا للدماء، وزاد أن ثقات المؤرخين كالطبري والدنيوري لم يذكروه إلا مجرد من هذه الصفة، ثم رجح بدليل بياني جيد أن السفاح محمول هنا على الأصل اللغوي أي الكريم المعطاء الذي يتلف الأموال ولا يبخل بها. ولكن الأستاذ (أحمد أمين) رد عليه بعض أدلته في العدد (٤٩) فردها الأستاذ العبادي عليه في العدد (٥٠) وهكذا إلى العدد (٥٢). وأنا قد أعجبت كل