- سخرية ممن؟ من الذين يريد هو أن يكون معهم؟ لا. ليست سخرية. وهو بعد ذلك يريد أن يعاتب الله الذي هو الله معاتبة لا تكون إلا من صاحب حق عند نائل منه، ومع هذا، فهو يخشى رئيس التحرير، وشيخ الأزهر. . . فكيف نرسم الرجل الذي له حق عند الله، وعلى علمه بهذا يخشى الأستاذ أحمد حسن الزيات، وفضيلة الأستاذ المراغي. . . كيف يمكن أن نتصور هذا؟ إني لا أتصوره!
- ولا أنا!
- ولا أي إنسان، فأولئك الذين يقرضون الله، ويعطون الله، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وهم يعرفون هذا من تلقاء أنفسهم لأنهم يعرفون الله ويعرفون أنهم يقرضونه ويعطونه، ويعرفون من هو الله، ومن إلى جانبه رئيس التحرير وشيخ الأزهر. . .
- إذن فأنت تريد أن تقول إنها ناحية مبهمة في الصورة. . .
- بل أقول إنها مكياج. وإنها تشبه دعاءه على الذين أضاعوه في الوقت الذي يريد فيه أن يكون مع الذين أضاعوه في ملاعبهم وملاهيهم. . .
- فكأنه لا أعطي الله ولا أقرضه. . .
- الله أعلم. . . وهو يحسب لأيوب من النعمة أنه ظفر بالخلود في عالم الفكر والبيان لما عاتب ربه بقصد رنان وهو في أمان من ثورة الجمهور. . . فما الذي يبديه هذا الإحساس في وجهه من الإمارات؟
- إمارات الفكر، لاشك، وعلامات عشاق الخلود. . .
- كلا. فلو سئل أيوب أن يتحدث مرة أخرى عما نال من نعمة الله في عتابه ربه، لذكر أنها هدى ربه، ولما ذكر بيانه ولا قصيده ولا فكره، فما كان أيوب يسعى إلى كلام ينمقه فيحفظه الناس عنه ويروونه له بعد موته، وإنما كان أيوب يتجه إلى الله يطلب منه أن يصلح نفسه، وأن يكشف له عن حكمته فيما ناله من بلوى استعذبها وصبر عليها. . . فأيوب الذي كانت هذه هي نفسه هو الذي تبدو عليه إمارات الفكر لا شك، وعلامات عشاق الخلود