- لا لا. . . فلندع هذه. . . فإن الكاتب من الكتاب الذي يشعر بأن الإنسان يهان في هذا العصر إذا اكتفى بالدينار في اليوم أو اليومين. . . فهو من غير شك قد رحمه الله من إهانات يالها من إهانات لو لم يكن ينفق الدينار في اليوم أو اليومين. . . كان الله في عون الكتاب وغير الكتاب من أبناء اليوم الذين ينفقون الدينار في الأسبوع أو في الشهر أو في العام. . . إن هؤلاء هم الأيوبون
- بعدها يا سيدتي قوله: ومن يسلطني على دهري فأسجل رزاياه على نحو ما صنع أيوب؟ فهو لا يسجل على دهره الرزايا إلا إذا سلطه على الدهر أحد، على الرغم من قوله إن الدهر أوجعه وأشقاه. . . فكيف نصوره أمام الدهر؟
- لو كان خائفاً من الدهر لكان قد سكت على الدهر ولم يناوشه ولم يصارحه العداء، ولو كان هاجماً على الدهر لما عبأ بالدهر ولما طلب الذي يسلطه عليه ويمكنه منه، فلا هو خائف ولا هو هاجم. . .
- فماذا يكون إلا أنه صاحب سياسة مع الدهر حكيمة فهو لا يهاجمه على الرغم من عدائه له انتظاراً لمن يسلطه عليه؟. . .
- ولكنه على هذه الحكمة يصارح الدهر بالعداء. . . وليس من الحكمة في شيء أن يصارح الإنسان عدوه بالعداء وهو عاجز عنه خائف منه. . .
- فهذه الحكمة أيضاً مكياج أو هذه الصراحة هي المكياج. . والله أعلم. . . على أنه قد خطرت لي الآن صورة مضحكة قد تجتمع فيها ملامح هذا الاضطراب كله: في الريف عندنا ناس يسلطهم الأعداء على أعدائهم. . . فيكرهون ويعادون ويحاربون ويقهرون؛ تبعاً لما يوحي به إليهم من يسلطهم. . . وهؤلاء من كثرة تدربهم على التسلط والتسليط أصبحوا يتسامحون فيما ينالهم هم من الأذى فلا يأخذون بالثار لأنفسهم ولا يستردون حقوقهم، لأنه لا أحد يسلطهم إلا على أعدائه هو لا على أعدائهم هم. . . فما رأيك؟
- ولكن هذه لا يمكن أن تكون صورة كاتب من الكاتب
- إني قلت ذلك. . . فالمفروض أن الكاتب من الكتاب له رأي خاص وكيان خاص وتفكير خاص؛ وهو يموت ولا يحتمل أن يسلطه إنسان على شيء. . .