لم يمض زمن طويل حتى رأينا عبد الرحمن يعاود مغامرته الأولى بنفس الحماسة الأولى ويضحي بالربح والواسع الذي كان يدره عليه مكتبه بالفيوم. أتى كل هذا ناسياً ما جرته عليه مغامرته الأولى، ضارباً عرض الحائط بنصائح أصفيائه ممن راعهم أن المسرح المصري ما برح غير جدير بالتضحية من جانب صفوة المتعلمين
ولكن الهاتف المجهول كان يسد مسامعه، والقدر يدفعه إلى أن يستقيم على محتوم قضائه
عاد عبد الرحمن إلى العمل في فرقة الأستاذ أبيض بعد أن أنضم إلى فرقتها وجيه من وجهاء مصر، وسليل بيت كبير من بيوتاتها، وهو عمر سري بك نجل المرحوم حسين سرى باشا؛ وكاد وجيه آخر من طرازه، وهو المرحوم محمد تيمور بك، نجل المرحوم أحمد تيمور باشا، وتشريفي حضرة صاحب العظمة حسين كامل سلطان مصر، كاد أن يأتي نفس المغامرة؛ وكدت بدوري، على الفارق البين، أن أركب نفس الطريق وأترك دراستي الثانوية في مرحلتها الأخيرة. . .
ومهما انتحلت للمرحوم تيمور ولنفسي من الأعذار التي حالت دون احتراف التمثيل في ذلك العهد، فلا أجد بدَّاً من المصارحة في هذا الموقف الذي أعطى فيه (ما لله لله، وما لقيصر لقيصر) بأنني وتيمور كنا أوهن من عبد الرحمن عزماً وألين عوداً
وبدأ الدور الثاني من جهاد عبد الرحمن وبدأت معه الجمعيات التمثيلية مرحلة جديدة اتسمت بالجهاد الصادق وبوفرة عدد العالمين في الجمعيات، وجعلهم من صفوة المتعلمين طلبة كانوا أو موظفين
ونضجت لعبد الرحمن طريقة في التمثيل حاكاه فيها ضعاف الشخصية من الهواة والممثلين، وتنبهت الأقلام المصرية إلى واجبها فقام الأستاذان إبراهيم رمزي ولطفي جمعة يدعوان إلى استقلال المسرح المصري برواياته
أيها السادة:
يقولون إن التاريخ يعيد نفسه. . . وما أصدق هذا حتى في أتفه الأمور!
لم يمض وقت طويل على عبد الرحمن في هذه الفرقة حتى اضطر إلى تركها لأسباب لا يسمح المقام بذكرها، ولكنها أسباب تشرف عبد الرحمن، الرجل والممثل، الذي لم يعمل في التمثيل ليجمع المال من ورائه، وليستثمره كما يستثمر التاجر الملهوف على الكسب متجراً