وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، بدأت تظهر فكرة الوطنية، وأخذ التنافس يدب بين الأمم الأوربية في سبيل السيادة فيما وراء البحار، فزالت فكرة الحروب الدينية، وخلفتها حروب أخرى قائمة على الغلبة، والمنافسة في التوسع التجاري، وإفساح الطريق أمام المهاجرين
ومن ثم تغيرت صفة الحرب، فلم تعد آلة لتنفيذ شهوات الحاكمين أو سلاحاً يشهره رجال الدين لنصرة مذهب على مذهب آخر، فهي وسيلة للحكومات الوطنية التي تسعى وراء التوسع والسلطان.
فما هو الدرس الذي يمكننا أن نستخلص من هذا، للحالة القائمة في أوربا اليوم؟ أن المشاغبات الدينية التي كانت تقع في أوربا في القرن السادس عشر، والقرن السابع عشر، أصبح لها مشابه في مبادئنا السياسية اليوم. فالدكتاتورية والفاشية والبلشفية والديمقراطية لكل منها دعاتها المتعصبون لها، الراغبون في فرض نظامهم السياسي على الأمم الأخرى
نحن نؤمن بالديمقراطية، وبل ونحن على أتم الاستعداد للدفاع عن نظامنا الديمقراطي العتيد، ولكنا لا نرى معنى لفرض هذا النظام على أمة أخرى. فنحن على ثقة بأن الديمقراطية سيكون لها الفوز في كل أمة في النهاية، لأنها خير الأنظمة الحكومية وأليقها ببني الإنسان
فإذا كنا نحارب ألمانيا اليوم، فنحن لا نحاربها لقسوة الحكومة النازية وظلمها، فهذا شأن من شؤون الألمان؛ ولكنا نحاربها لاعتدائها على بولندة وتشيكوسلوفاكيا، فإذا رد الشعب الألماني إلى هذه البلاد استقلالها كان من السهل أن نضع يدنا في يده، وأن ندخله معنا في تحالف دولي عام
إن النازية سوف لا تتفق معنا على مثل هذا التحالف؛ ولكن الشعب إذا أعد نفسه لقبول هذه الفكرة التي لا بد منها لإقرار السلام في العالم، لن يقوى هتلر على مقاومته، ولا يقف أمام إرادته، بل يختفي أثره فتذهب مجهوداته أدراج الرياح