روحه بنصف قرش! وما أيسر ما يجد قرشين في اليوم بالعمل الحقير أو السؤال الملحف)!. . .
هذا قول الزيات وذلك قول مبارك، وبينهما التناقض الواضح، لأن الفقير عند الزيات يضمن قوته بنصف قرش، فلا يصعب أن يضمن الغني قوته بقروش. . . ولكن المبارك يوهمنا بأن المكتفي بيننا بالدينار بنفقه في اليوم أو اليومين مهان محتقر!
فأين يقف القراء المساكين من هذين القولين؟. . .
أصرح برغم صداقتي بالدكتور مبارك أن هواي مع أستاذي الزيات، وفكري يميل حيث مال فكره العبقري، والصداقة شيء والرأي شيء آخر يا دكتور. . .
ولقد كان الأستاذ عزيز فهمي المداعب المدقق البارع موفقاً حين أزال عن الدكتور مبارك (مكياجه) و (رتوشه) فقال ساخراً متهكماً: (أن الكاتب من الكتاب الذين يشعرون بأن الإنسان يهان إذا اكتفى بالدينار في اليوم أو اليومين. . . فهو من غير شك قد رحمه الله من إهانات يا لها من إهانات لو لم يكن ينفق الدينار في اليوم أو في اليومين. . . كان الله في عون الكتاب وغير الكتاب من أبناء اليوم الذين ينفقون الدينار في الأسبوع أو في الشهر أو في العام. . . إن هؤلاء هم الأيوبيون - لا الأيوبون يا أستاذ عزيز! -)
سامحك الله يا دكتور مبارك وغفر لك قولك!. . . إذن ألف رحمة وحسرة على كثير من الأدباء في مصر لا يجدون الخبز الأسود إلا بشق الأنفس، وقد ينفقون القرش - القرش لا الدينار يا دكتور! - في اليوم أو اليومين!. . . إذن ألف أسف لذلك العدد الضخم من الكتاب والصحافيين الذين تتلقفهم المقاهي وتتلاعب بهم الأندية أو الطرقات، وهم إلى الصعاليك والمشردين البؤساء أقرب منهم إلى الكتاب والأدباء!. . .
إنك سعيد ومحظوظ ومحسود يا دكتور، أنك تعتبر نفسك مهاناً لأنك تنفق في اليوم أو اليومين - على الأكثر - ديناراً بأكمله. . . يكاد قلمي أن يسطر عبارة لوم واتهام لك، إذ تسبح في بحار النعيم وتخطر في فردوس الغنى، وأمامك الكثير من إخوانك تصرخ أمعائهم جوعاً، وأجسامهم ضنى ومرضاً؛ وأنت لا ترق ولا تلين، فتعطيهم ما يفضل من دنانيرك من قروش ومليمات!. . . ثم لا تكتفي بذلك، بل تذهب فتغالط وتشكو وتتألم!!. . . ويل للحقائق منا يا دكتور!. . .