ويتحدثون إلى العقل الفرنسي كله، ولا تظن إن في هذا النحو من القول غلوا أو ميلا إلى الإسراف، إنما هو الحق كل الحق، والاقتصاد. ذلك أن جول رومان لم يكد يبلغ رشده الأدبي كما يقول حتى رأى نفسه أكثر من فرد، ورأى مطمعه الأدبي أكثر من مطمع الفرد، ورأى انه إذا كتب فلن يستطيع ان يكتب كما تعود الناس أن يكتبوا في هذه الموضوعات المحصورة، وفي هذه الإطارات الضيقة المحدودة. وإنما هو ان كتب فسيصور الجماعات، وسيصورها في إطار واسع مخالف لما ألف الكتاب أن يتخذوا من الإطارات والحدود. رأى أنه لا يستطيع أن يتخذ الفرد من حيث هو فرد موضوعاً لأدبه، وإنما الجماعة هي موضوع هذا الأدب فهو شاعر الجماعات إن نظم الشعر، وهو واصف الجماعات أن كتب القصص، وهو مصور الجماعات ان عالج التمثيل. ولم يكد يكتب وهو في العشرين في اوائل هذا القرن حتى ظهرت هذه الخصلة في آثاره ظهوراً بينا وفرضت نفسها عليه فرضا، وأحس هو ذلك وشعر به، وإذا هو ينظم صفته هذه تنظيماً ويصوغها صيغة المذهب الأدبي ويدعو إلى هذا المذهب ويجاهد في الدعوة اليه، وإذا هو على شبابه صاحب مدرسة لها تلاميذ ولها أنصار، وإذا مدرسته لا تلبث أن تتجاوز حدود فرنسا بل حدود اوربا فتكسب الأنصار والتلاميذ في المانيا وانجلترا وامريكا. ثم تتقدم به السن ويمضي في انتاجه الأدبي شعراً وقصصاً وتمثيلاً، وكلما مضى في هذا الإنتاج زاد امتيازه وضوحاً وجلاء ولان مذهبه واشتدت مرونته. وإذا جول رومان منذ أعوام يفرض نفسه على الأدب الفرنسي ثم على الأدب الحديث فرضاً ويصبح من اظهر الممثلين لحياة الأدب الفرنسي في هذا العصر الذي نعيش فيه. فليس غريباً إذن أن يكون حديثه حديث الشعب الفرنسي المثقف كله، لأنه قد وعى هذا الشعب كله وصوره واختصر خلاصته كلها في نفسه، فهو يتحدث بها وهو يتحدث عنها وهو يصورها في حديثه أجمل التصوير وأروعه وأبلغه تأثيراً في النفوس. وقد عالج جول رومان من فنون الأدب الشعر وعالج القصص وعالج التمثيل. وكان قبل هذا كله أستاذاً للفلسفة. مر بالسوربون طالباً وتخرج من مدرسة المعلمين العليا، وعلم في المدارس الثانوية. وليس هنا بالطبع موضوع الدرس لشعره وقصصه وتمثيله فذلك شيء لا يتسع له فصل في صحيفة بل لا تتسع له فصول، وإنما تتسع له كتب وأسفار