للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولكن من الخير أن ندع الآن شرع جول رومان لأنه هو نفسه قد انصرف عن الشعر أو كاد، وأن نقف وقفة قصيرة عند تمثيله ووقفة أقصر منها عند قصصه وعند كتابه الاخير بنوع خاص. ولعل أظهر ما يمتاز به تمثيل جول رومان أنه أقرب التمثيل الفرنسي الحديث إلى تمثيل موليير، فموضوعاته فرنسية ولكنها من دون إطارها الفرنسي تتجاوز فرنسا وتصبح موضوعات إنسانية عامة لا تقف عند بيئة خاصة ولا عند زمان بعينه، وإنما تتجاوز الزمان والمكان المعينين إلى جميع الازمنة والأمكنة. فقضته الدكتور كنوك ليست نقداً لطبيب بعينه، ولا لطبيب فرنسي ولا لطبيب في القرن العشرين وإنما هي نقد للون من الوان حياة الأطباء في كل أمة وفي كل عصر وفي كل مكان. ولا يكاد يعرف التمثيل الفرنسي بعد الحرب فوزاً كالفوز الذي أدركته هذه القصة التي لا أتردد في أن أراها آية من آيات التمثيل الحديث.

وقصته التي تسمى مسيو لترودك، وقصته الأخرى التي تسمى زواج لتروادك لا تصفان أستاذاً بعينه من أساتذة الجغرافية، وإنما تصفان لونا من حياة الاستاذ الذي تطغى عليه ظروف الحياة فتخرجه عن الدرس إلى الحياة العامة، وتعرضه لألوان من المحن والخطوب تثير الضحك ولكنه الضحك الذي يثيره موليير، والذي يمتلئ بالعبر والعظات. وقد هممت أن أسأل جول رومان لماذا اختار لهاتين القصتين بطلا من أساتذة الجغرافية، دون أساتذة التاريخ أو العلم الطبيعي أو الفلسفة. واكبر الظن أن هذا الاختيار ليس نتيجة المصادفة، ومن يدري لعله كان يضيق باستاذ من أساتذته الذين تعلم عليهم وصف الارض وتقويم البلدان في المدرسة أو الجامعة. وليس أقدر من جول رومان على تشخيص الجماعات ومحو ما بين أفرادها من الفروق، وجعلها شخصاً واحداً يشعر ويعمل ويتكلم ويصدر في هذا كله عن نفس واحدة، والذين يقرأون زواج لتروادك يرون أنه وفق في ذلك إلى أقصى حدود الاتقان.

أما كتابه الاخير الذي لم نتفق أمس - وكنا كثيرين - علىترجمة دقيقة لعنوانه، والذي أسميه كما سماه صديقي هيكل، الاخيار من الناس، فاعجوبة القصص الفرنسي في هذه الايام. أخذ يظهر منذ أعوام. وظهر منه الجزء الخامس والسادس في هذا العام. والناس يتساءلون كم تكون أجزاؤه؟ وجول رومان يأبى أن ينبهم بعدد هذه الاجزاء اشفاقا عليهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>