والذي يستطيع بسحر البيان أن يروض الجماهير على تذوق معنى الحياة ومعنى العدل؟ الأديب في بلادنا كثير التوجع والتفجع، ولكنه لم يخط خطوة جدية في تجميل الوجود، وهل في الوجود جمال وقبح؟ الوجود هو هو لسائر الناس، ولكنه كالماء يتلوَّن بلون الإناء. والأديب الحق هو الذي يستطيع تحويل الوجود من لون إلى لون، فيُضحك قراءه حين يريد، ويبكيهم حين يشاء، وفَقاً لخطة مرسومة يفرضها الشعور بألوان ذلك الوجود
وأ ين الأديب الذي سحره جمال الريف المصري وهو يتنقَّل بالسيارة أو القطار من إقليم إلى إقليم فوصف أرض مصر وسماءها وصفاً يخلق الحرص الصادق على الاعتزاز بالمِلكية في أرجاء هذا الوطن الجميل؟
أين الأديب الذي يفكر في بناء دار بالريف يسكن إليها من وقت إلى وقت، كما يصنع أدباء الفرنسيس والإنجليز، وكما كان يصنع أدباؤنا الأقدمون؟
إن الأديب يشكو من تجاهل الدولة لحقه في الحياة، فهل حفظ هو حقه في الحياة؟
أليس من العجب العاجب أن يكون الفلاح اعرف بحقه من الأديب؟
الفلاح المصري هو المثل الأعلى في الوطنية، لأنه لا يبيع شبراً من أرضه إلا بعد أن يبلله بالدمع، وهو يشعر بالخزي أمام نفسه وأمام زوجته وأطفاله حين يبيع فداناً ورثه عن أمه أو أبيه، فأين الأديب الذي يحس هذه المعاني؟ أين وميادين الأدب تُنتقَص في كل يوم ولا تثور زفرة من شاعر أو كاتب أو خطيب؟
وللأدباء أملاك صحيحة ورثوها بأسنَّة الأقلام، كما ترث الدول أملاكها بالمدافع والسيوف، فأين من يعرف تلك الأملاك؟ أملاكنا هي الميادين الذوقية والأخلاقية والاجتماعية ومن العار أن يسبقنا غيرنا إلى العناية بشؤون المجتمع ونحن نملك من قوة الإفصاح عن أسرار المجتمع أضعاف ما يملكون، ونستطيع نقل المجتمع من حال إلى أحوال إذا صرنا من أصحاب المبادئ والعقائد، وفرضنا على أقلامنا الجهاد الموصول في تثقيف المشاعر والعواطف والأذواق
والى من تلجأ الأمة في تهذيب مشاعرها وعواطفها وأذواقها إذا جف قلم الأديب؟
وما قيمة الأديب إن لم يكن لصرير قلمه صوت مسموع في الأكواخ والقصور والمعاهد والمعابد؟