وهل سيطرتْ عقيدة دينية، أو نظرية أخلاقية، أو شريعة ذوقية، بغير سناد من أسنّة الأقلام؟
أخشى أن يكون الأدباء في مصرهم (الأفندية) في فلسطين؛ فالأفندية هناك هم الذين باعوا أملاكهم، الفلاحون في فلسطين فهم الذين عرفوا قيمة الوطن فلم يبيعوا ما ورثوه عن الأباء والأجداد
أين في أدباء اليوم بمصر من يذكِّر بالشيخ محمد عبده، الرجل الفلاح الذي فرض على الدولة أن تحسب لقلمه ألف حساب؟ وهل فينا شبيه للأزهري الفلاح سعد زغلول الذي رجّ مصر والشرق بدعوته الكريمة إلى إعزاز الشخصية القومية؟
إن الأنبياء - وهم مؤيَّدون بروح الله - لم يصلوا إلى القلوب بغير البيان!
فمتى يصير إعزاز البيان في بلادنا شريعة من الشرائع؟
وهل نصل إلى ذلك إلا يوم يعرف أرباب الأقلام أنهم رسل هداية، وأن سواد الحبر في أقلامهم أنفع لوطنهم من بياض الصباح؟
حدثنا الأستاذ مصطفى عبد الرازق بك في مقال نشره بجريدة السفور منذ أكثر من عشرين سنة، أنه رأى زهرة جميلة في أحد أسفاره، وأنه لم يجد من يعرف اسم تلك الزهرة. فقال: عزاءً، عزاءً، أيتها الزهرة، فليس اسمك أول اسم يضيع في هذه البلاد!
وهل صنع الأستاذ مصطفى عبد الرازق أكثر مما يصنع من يتوجعون للحق الضائع في صمت؟
هل نزل من القطار فنقل الزهرة إلى قصره وخلع عليها اسمًا من طرائف الأسماء؟
وهل يذكر الآن مصير تلك الزهرة، وقد توسلتْ إليه أن يرعى وداد لحظة؟
ولتلك الزهرة شبيه من الجواهر المجهولة في هذه البلاد!
عندكم الأديب، وهو أنفع لكم من معدن (الولفرام)، الذي استكشف بغتة في الصحراء الشرقية، وهو معدن نفيس يغنيكم عن أخيه الذي يصدر عن بلاد الصين، وقد استكشفه رجل أجنبي في السنة الماضية. فأين الأجنبيُّ الملهم الذي توفقه المقادير إلى استكشاف العبقرية الأدبية في وطن (حابي) والحابي هو الوهاب، وهو اسم النيل قبل أن يعرفه اليونان؟