تحرَّك، أيها الأديب، ودُلُّ على نفسك كما دلُّ على نفسه معدن الولفرام!
إن ذلك المعدن هو أصلح المعادن لصياغة الأسلاك الكهربائية، ونفسك هي الكهرباء أيها الأديب، فاصعقْ من يجادلونك في عبقريتك، وسيطر بقلمك على الوجود.
زرت عين حلوان، فسمعتها تقول: منذ ألوف أو ملايين من السنين وأنا محبوسة في الصحراء، لا يحس وجودي فرعون ولا خليفة ولا سلطان ولا مَلك!
فاقتديت بالحكيم مصطفى عبد الرازق وقلت: معذرة، يا عين حلوان، فما كنت أول جوهر ينساه أهل هذه البلاد!!
وما عين حلوان؟
هي عين يشفى ماؤها من أمراض الكبد
ولى كبِدٌ مقروحة من يبيعني ... بها كبداً ليست بذات قروحِ
أباها عليَّ الناسُ لا يَشترُونها ... ومن يشتري ذا علة بصحيح
فأين كانت هذه العين وقد مات ألوف وملايين من أجدادنا الأكرمين بأكباد قرَّحتها مآسي الحب؟
وهذه العين أراد طمسها بعض أعداء مصر بالأسمنت في غفوة الليل ولم يفلحوا
فمتى ينتصر الأدب على خصومه الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم!
لن يكون لمصر عَلَم مرفوع إلا يوم تعرف أن الله أعزّها بالقلم، وأنه عزّ شأنه جعل في واديها شعلة الحركة الفكرية في القديم والحديث. ومن الذي يتصور للدنيا حياة بدون مصر وهي صلة الوصل بين الشرق والغرب؟ وهل كان لأنبياء الشرق سناد غير مصر وفيها عاش أعظم الحكماء والرهبان والصوفية؟ وهل اتفق لمدينة في الدنيا ما اتفق للقاهرة من رعاية الصوامع والكنائس والمساجد؟
إن وادينا هو الوادي الأخضر بين وديان العالم، ولن نزكي عن نعمة الله علينا إلا بالتغني بهذا الوادي الجميل؛ ولكن من يسمح لنا بالغناء؟
هل رأيتم جو مصر في يوم ٦و١١ يناير؟
هل رأيتم؟ هل رأيتم؟
حدثوني في أي بلد يرى الناس مثل هذين اليومين في فصل الشتاء؟