٦ - رقدوا فما للموقد أن يرسل إليهم بعد اليوم لهيبه؛ وما لربة بيتهم أن تخف إلى مهامها إذا جاء المساء، وما للأطفال أن يهرولوا إلى أمهاتهم يتمتمون إليهن رجعة أبيهم، ومالهم أن يتسلقوا أرجله يتناهبون ما يتقاتلون عليه من قبلات.
٧ - لكم تساقط الحصاد تحت ضربات مناجلهم! ولكم شقت أسنة محاريثهم ما شقت من جوف الغبراء! بأي نشوة كانوا يسوقون قطعانهم إلى الحقول؟ وبأي يسر كانت أشجار الغابات تطأطأ لهم من هاماتها ما أعملوا فيها معاولهم القوية؟!
٨ - ما للكبرياء أن تحقر جهودهم المنتجة ومسراتهم العائلية وذكرهم المغمور؟ وما لعظماء هذه الحياة أن يبتسموا احتقاراًلصغار المهام التي شغلوا بها أيامهم؟
٩ - وألقاب الفخار، وأبهة السلطان، وكل ما يمنحه المال والجمال. كل هذا ساعة الحتف له بالمرصاد، إذا أن سبل المجد لا تقود إلى غير القبر!
١٠ - وأنت أيها المتغطرس: ليس لك أن تلومهم إذا لم تر الأسلاب قائمة فوق قبورهم تخلد ذكراهم حيث تتردد أناشيد النصر في القباب الممتدة، وتحت الأقواس المزينة بالتماثيل، حاملة نغمات المديح. . .
١١ - وهل لأجمل الأواني نقشاً، أو لأنطق التماثيل بالحياة. أن ترد إلى مأواه ما تصاعد من نفس؟ وهل لأصوات الفخار أن تبعث الحياة في صامت التراب؟ وهل للملق أن يلين من مسامع الموت البارد القاسي؟!
١٢ - من يدرينا لعل في هذه البقعة المهملة قلباً كانت تسكنه أنوار السماء؟ أو يداً كانت تستطيع أن تأخذ بصولجان الملك، أو توقظ الناي إلى حد الإلهام؟
١٣ - ولكن العلم لم ينشر أمام أبصارهم صفحاته الطويلة التي أغناها بأسلاب الزمان. فلقد أطفأت برودة الفقر نبل حماستهم، وجمدت مجرى العبقرية في نفوسهم.
١٤ - كم من جوهرة نقية الشعاع صافيته، ظلت مخبوءة في أعماق المحيط؟ وكم من زهرة تتورد بعيداً عن الأبصار، ثم ترسل عبيرها هدراً إلى بيداء الفضاء؟
١٥ - من يدرينا، لعل هنا يرقد (هامدن) قريته وقد ثبت بقلب جسور لصغار الطغاة بريفه، أو (ملتون) آخر صامتا ًعارياً عن المجد، أو (كرومول) ثانٍ نقى اليد من دم وطنه.
١٦ - أما تحريك أيدي النواب بالتصفيق، وأما احتقار صيحات التهديد يرسلها الجائعون