للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غيرهم، ويصبرون على مصاعبها أكثر من غيرهم. . . وإن هذا لا يحدث إلا لأن دعوات الأبناء صادقة. وقد كان القدماء يستكثرون من النسل ليستكثروا من الرزق، لأنهم كانوا أقرب إلى الطبيعة منا، وكان الواحد منهم إذا رزق مولوداً جديداً أحس بأنه رزق قوة جديدة إلى جانب قوته، وكان الواحد منهم إذا شاخ وضعفت شحنته الكهربائية أرتكن على أبنائه يمدهم بالدعوات الصالحات

- وهل كانت هذه الدعوات تفيد. . . وعلى الخصوص إذا اعتبرنا الشيخ شحنة كهربائية ضعيفة؟

- ما من شك في أنها كانت تفيد، فالشيخ كان قبل ذلك قد صقل أبناءه، وقد علمهم طريق الرشاد، ونكبهم طريق البغي، ودلهم على موطن السعادة، ودلهم على موطن الشقاء، فدعاؤه لأبنه بالسلامة إنما هو تذكير له بطريقها وتوجيه له إليه، زيدي على ذلك أن شحنة الشيخ إذا كانت قد ضعفت في مظهرها البدني فإنها تقوى في باطنها المعنوي، وإذا كان الفلاسفة يعترفون للشيخوخة بالحكمة فإننا لا نستطيع أن ننكر عليهم الصفاء والنفاذ إلى الحقائق، فهم يرتدون إلى الحياة كالأطفال طهارة ونقاء ماداموا قد قضوا حياتهم على الحق، ولكنهم يختلفون عن الأطفال في شي وهو أنهم اجتازوا الشطر الأكبر من هذه الحياة فوقفوا على سرها

- وما سر الحياة؟

- انتظريني حتى أشيخ فأعلمه، أو فاسألي شيخاً ممن يعلمون. . . أو فانظري إلى شيخ من الطيبين كيف يعيش وأعلمي أنه يستغل هذا السر ويعيش عليه

- وأين أجد هذا الشيخ الطيب؟

- تجدينه في الريف، وتجدينه في الصحراء، وتجدينه في كل مكان لم تنطبق عليه الحضارة ببراثنها ومخالبها، تجدينه يأكل ويشرب وينام، ويعاشر الأطفال، ويدعو إلى الناس ويتلقى من الناس الدعوات. . . ويصلى لربه ويطلب من الله أن يصلي عليه

- ولماذا يعاشر الشيوخ الأطفال؟

- لأن الشيوخ والأطفال متفقون على معنى واحد للحياة والناس فيما بين الطفولة والشيخوخة يبحثون للحياة عن معاني أخرى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>