للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسكت لحظة ثم عاد يقول في صوت عميق:

ثم - تابعني جيداً - بعد مرور أيام لم تبرحني خلالها لحظة تلك الأفكار الواخزة، تولد عندي الاعتقاد بأن هناك حالات يكون فيها من واجب الإنسان أن يقف عذاباً يعلم أن لا مفر منه. . . من حقه أن يمحو جريمته، يفني ما خلق، يكون هو يد القضاء التي تنقذ من الشقوة من لا ذنب لهم

أنت ترتجف؟ أنت خائف من أن تفهم؟. . . نعم، بيدي قتلت أطفالي وزوجتي! أسمعت؟. . . قتلتهم، سمّمتهم، وفعلت ذلك بمهارة لم يفطن إليها أحد

كنت في أول الأمر مصمماً على أن أضع حداً لحياتي أنا أيضاً؛ ولكني كنت في نظر نفسي خليقاً بالعقاب! لا لأني قتلتهم - إذ أعتقد أن عملي في هذه الحالة مشروع - بل لأني أوجدتهم. وأي تكفير أحكم به على نفسي أشد من البقاء منفرداً يائساً أتحمل وحدي عبء تلك الحياة المنكودة التي أنقذتهم منها؟!

والآن، انظر ماذا حدث. بعد موتهم بأسابيع، أخذت تعود إليّ قواي. ذهب الألم الذي كنت أشعر به. لم يعد أثر للدم في بصاقي. بدأت أشعر بشهية للأكل. . . بل بدأت أسمن

اعتقدت في أول الأمر أنه لسبب ما وقف المرض مؤقتاً، وسوف يعود بحالة أشد. إلا أني بعد بضعة أشهر تبينت الحقيقة المرّة، وهي أني شفيت. أقول شفيت!. . . ولكن، هل كنت حقّاً مريضاً بالسل!. . . وتجسّمت الفكرة أمام عينيّ. أتفهم ماذا أعني؟. . . إذا كنت مسلولاً حقاً، فقد كان واجباً ما فعلت. أما إذا لم أكن، فقد قتلت بلا مبرر، وقتلت من؟. . . زوجتيوأولادي. . .

أمهلت نفسي سنة كي أتأكد، مؤملاً دائماً أن المرض الذي وقف سوف يعود، بل محاولاً بكل وسيلة أن أعيده إلى الظهور. . . ولكن عبثاً، إذ لم يظهر أي عرض من أعراض المرض. وعندئذ وثقت بأنك كنت مخطئاً، بل مرتكباً لأفظع خطأ. استولى عليّ اكتئاب لا قبل لي بدفعه، عيناي اللتان اختزنتا الدموع طويلاً عجزتا عن إبقائها. لقد هدمت حياتي بيدي، قتلت نفوساً بريئة، ألقيت بنفسي في خضم من الأحزان والآلام. ولم كل هذا. . .؟ لسبب خطئك أنت. ولقد أتيت اليوم هنا لأسمعك أنت بنفسك تقر بغلطتك. . .

وانتصب الرجل واقفاً وهو يقول وقد ضم ذراعيه إلى صدره:

<<  <  ج:
ص:  >  >>