وسمعها ناس كثيرون، من تلاميذ وطلاب ومعلمين، وأساتذة، وموظفي وزارة المعارف، وبعض المتأدبين الناشئين من تلاميذ (أصمعي هذا العصر الشيخ مارسه) كما يقول الشيخ الطنطاوي. وكانت المحاضرة على عين من مدير المعارف العام معالي عبد اللطيف الشطي بك
بدأ الأستاذ ببحث لغوي عن كلمة (أمة) والنسبة إليها، وتصغيرها. ثم خطأ من يقول (أموي) بالفتح وصوب من قالها بالضم، ثم انتقل الأستاذ فأطرف السامعين بحديث عن أنساب أميّة، ملّه الناس منه، لأن الأنساب ليس مما يتحدث به إلى الناس في حفل عام. وذكر أنهم كانوا تجاراً، وبيّن شأن تجارتهم في تلك الأوقات وقال إنهم (أدخلوا مكة في دور مدني، وأن منهم عرفت قريش أرض العجم والروم. .)
وانتقل الأستاذ إلى أبي سفيان، فأفاض في ذكر أحواله في الجاهلية، وانتقل فجاءة إلى معاوية فذكر ما كان يقوله عمر إذا رآه. ثم عاد إلى أبي سفيان فذكر أن له الفضل بنقل الخط إلى الجزيرة، وانتقل بعد ذلك إلى عثمان بن عفان؛ فقال إنه جمع القرآن، ولولاه لكان القرآن اليوم ضائعاً. . . وأنه كان يكرم حرملة الشاعر النصراني. . . وانتقل إلى خالد بن يزيد وذكر أنه أول من ترجم الكتب القبطية والسريانية إلى العربية. وتخطى الأستاذ الخلفاء، حتى أتى عمر بن عبد العزيز؛ فقال إنه أول من عنى بتدوين الحديث
ثم رجع القهقري وقال:(ولم يكن بنو أمية من النابغين لما استعملهم الرسول على الولايات. وقد انتقل رسول الله وأكثر العمال من بني أمية، وأنهم كانوا في الجاهلية أمراء، وكذلك كانوا في الإسلام)
وقفز الأستاذ إلى معاوية فقال وأفاض، وأبان عن علم، حتى حسبنا أن المحاضرة قد انقلبت إلى محاضرة عن معاوية لا عن بني أمية. فذكر تشبه معاوية بالروم (وهذه وكل ما سيأتي من مميزاته)، وما اقتبسه من الأمم المجاورة من الأبهة والعظمة، وما ألف من مجالس الوفود، وذكر استخدامه النصارى والعلوج في وظائف الدولة، وقال إن بني سرجون كانوا وزراء المال عنده، وإنه كان ذا عقل ناضج، واستدل على سعة عقله بخبر عبد الله بن قيس إذ لقي في (صقلية) أصناماً من الذهب فأخذها معاوية وأرسلها إلى الهند لتباع ويؤخذ ثمنها. وقال إن معاوية حسن حال الحكومة، واستطاع بدهائه أن يأخذ الخلافة من علي وهو