- يا أنانيتك! أي زهرة في الدنيا تحبس أريجها عن الحياة؟ أنها لا تستطيع ذلك لأنها وجدت للوجود لا لنفسها. . . إن الكون ينادي في الخلائق ما منحها. . . الثمرة تنضج فتقفز من غصنها إلى الأرض إذا لم تقطفها يد، وأنت تريدين مني أن تنضج الفكرة في رأسها وإن أزدردها لنفسي؟ كنت أستطيع هذا لو أكلت الشجرة أثمارها!. . .
- إذن فأنت تطلب من يأكلك. . .
- الذي يأكلني هو الذي يسمعني. . .
- وقد يمقتك من يسمعك فيقتلك. . .
- فلتكن إرادة الله، ولست أجهل أن الله خلق من يأكل ومن يؤكل، ومن يقتل ومن يقتل، وكم مات أصحاب الفكر في إيمانهم
- ستعود فتكسو نفسك بطولة لست أنت أهلها، وأنت وقعت الآن فيما عبت على المتنبي الوقوع فيه. . .
- لا يا هذه، إني لم أقل إني مقاتل مغوار، وإنما قلت إني مؤمن بالله وقضائه، وإني لازم رأيي، وإن شاء الله قضاءه. . . وأما المقاومة، وأما هذه الشجاعة البدنية فإني أعجز الناس عنها. . . إنما أنا كالجرذ أعرف أن لي في الحياة حقا آخذه، وأحاول أن آخذ هذا الحق، ولا يمنعني من هذا علمي بأن في الدنيا قططاً وسنانير هي أقوى مني. ولست أفكر إن لاقيت القط أن أقاومه لأنه لا جرذ يقاوم قطا، وإنما هو يحاول الهرب إذا كان للهرب سبيل، أما إذا فاجأه القط استسلم له، وربما هفا إليه. . . تلك هي الطبيعة، والكائنات - كما قلت لك - تتنادى و (تتهاتف) ويفنى بعضها في بعض ولا يبقى غير وجه الله الكريم. والكائنات تطاوع هذا القانون ولا تتكبر عليه، وحق الإنسان أن يكون انصياعه له أكثر واظهر من انصياع غيره مما لم يميزه الله بنعمة العقل، ولعلك ترين أن أهل الفن وحدهم والصالحين هم الذين يستسلمون لهذا القانون وأن غيرهم من الناس ينتكسون بعقولهم على أنفسهم، ويلحظون في حياتهم من الاعتبارات ما لا تقيم له الطبيعة وزناً. . . مثلما فعل المتنبي. . .
- وهلا تريد أن تحسب المتنبي بين الفنانين؟. . . هذا الشاعر المجيد الخالد؟
- إنه فنان من غير شك، ولكنه - غفر الله له - كان يتذبذب كما قلت لك بين الفن وبين