المنفلوطي بنقد مر عنيف، ولكن هذه المقالات ذات أهمية خاصة لأنها تمثل مرحلة من مراحل إحياء الأدب العربي
نشرت هذه المقالات الموجزة في الصحف تحت عنوان (النظرات) وقد جمعت بين الأدب العالمي وبين إرضاء ذوق القراء لأنها كتبت بلغة موسيقية صافية، فكانت بمثابة الوحي يهبط على جمهور تعود قراءة أدب الكلفة والتصنع. وقد انتشرت انتشاراً واسعاً بين قراء العربية من بغداد إلى مراكش؛ مما يدل على أنهم ألفوا فيها شيئاً قيماً، كما كانت تمثل الشعور الذي تردد صداه في العالم الإسلامي أبلغ تمثيل.
ومن السهل أن ندرك اليوم قيمة هذه المقالات، فإن رجال الأدب يشعرون بالأثر القوى الذي أحدثته كتب المنفلوطي التي يحفظ منها طلبة المدارس عن ظهر قلب صفحات برمتها ملكت ألبابهم، واستولت على مشاعرهم.
وهي إلى جانب هذا تمثل حالة الأدب في الشرق العربي الذي اصطبغ بصيغة الآداب الغربية.
أما أفكار المنفلوطي، أو بمعنى أصح عواطف المنفلوطي، فيلاحظ عليها التناقص والتضارب. فهو لا يستطيع مثلاً أن يخفى أسفه على الاعتقاد بشفاعة الأولياء وإن كان يرى أن هذه الاعتقادات هي السبب في ضعف العالم الإسلامي ويقول أن اختلاف الآراء هو القانون الأساسي لتقدم الإنسان، بينا يندد بتعدد الأحزاب السياسية في مصر. ويرفض الجمود الديني ويحذر قراء العربية من اقتباس مدنية الغرب دون تمحيص، مع أنه قد تأثر في أدبه بالطريقة الإبداعية (رومانتزم) في الأدب الفرنسي.
وكان المنفلوطي وطنياً غيوراً، وقد قضى هذا الكاتب الرقيق ستة أشهر في السجن عقاباً له على قصيدة هجا بها الخديو عباس حلمي. وانضم إلى الزعيم سعد زغلول الذي قام يطالب بالحرية لمصر المتحدة الناهضة. وكان إلى هذا رجلاً يحافظ على التقاليد ويرعاها فظل طول حياته يلبس الزي الوطني ورفض أن يستبدل به الملابس الأوربية. أما مطالبته باحترام المرأة والطبقات الفقيرة فإنما يقوم على أساس من قواعد الدين الإسلامي.
البستاني
توالى مجلة (السياسة الأسبوعية) في هذه الأيام نشر ترجمة أناشيد (البستاني) للشاعر