للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأولية إلى الآلة الرياضية لتشتغل عليها؛ وفهم العلاقة بين الآلة الرياضية والتجربة والاختبار مهم جداً في فهم حقيقة الأسلوب العلمي، وأقل انحراف في ذلك، نتيجته أن يتردى الإنسان في أوهام مثل التي وقع فيها الدارثورادنجتون في كتابيه (طبيعة العالم الفوزيقي) و (فلسفة العلم الفوزيقي). وأظنني قد أشرت إلى هذه المسألة في نقد لي لكتاب (هندسة الكون حسب ناموس النسبية)، نشرناه في (المقتطف) عام ١٩٣٨، وفيه تعرضت بالبحث لآراء إينشتين وإدنجتون وجينز، وبينت بعض أوهامهم في هذا الموضوع.

فإذا صرفنا النظر عن هذه المسألة، فإن المقدمة تنتظم حلقاتها على أساس دقيق. فالكاتب يتناول في الفقرة الثالثة تطور الفكرة الإنسانية تحت تأثير العلم تجاه كل من الطبيعة والخالق. وهنا تجد الأستاذ صروف يبين كيف أن فكرة القدسية التي كان الإنسان يخلعها على نفسه باعتبار سيد المخلوقات قد انهارت. وفكرة اعتبار الأرض التي يعيش عليها مركز الكون وأنه محط الرعاية الربانية قد تلاشت.

على أننا نلمس هنا بعض الحذر من الكاتب فهو لم ينته بفكرته إلى النتائج الأخيرة التي لابد منها؛ ولعقيدته وبيئة كتابته التي نتسلط عليها الأفكار القديمة، بعض الأثر في التزامه هذه التحوط. وفي الفقرة الرابعة بين الكاتب نشوء شريعة الآداب النفسية كنتيجة للحياة التي عاشها الإنسان في الماضي. وتدرج من ذلك في الفقرة الخامسة إلى بيان أوجه الانقلاب الذي ابتدأ يطرأ على شريعة آداب النفس نتيجة لظهور المدنية الصناعية في الغرب، وكيف أنها عملت على تحطيم القدسية والمثالية المخلوعة على المذاهب الأدبية التقليدية. وهكذا أصبح اليوم في العالم المتمدن الأمومة ضرباً من الاستعباد، والزواج ضرباً من الرق، وخصصت فكرة إخلاف النسل للقواعد العالية التي أخذت تعمل على تقييدها. وكان نتيجة كل هذا أن وقف الإنسان اليوم بين عالمين، أحدهما ذهب إلى سبيله في جوف الماضي، والآخر لم يولد بعد، أو هو لا يزال في المهد صبيا. . . وهكذا وقف العالم حائراً؛ والكاتب يصور هذه الحيرة في الفقرة السابعة من بحثه تصويراً دقيقاً، ويبين في الفقرة الثامنة والأخيرة. من البحث أن نظريات العلم التي قلبت نظرية الإنسان في الكون ونفسه التي أنشأت هوة سحيقة بين الحياة التقليدية التي ورثها عن الماضي ومستلزمات الحياة التي تستلزمها اعتبارات اليوم تنطوي رغم كل العوامل الهدامة التي تبدو فيها، على بذور

<<  <  ج:
ص:  >  >>