وعلى هذا فقد سلم الكاتب، مرغماً، باني بصرته بما كان يجهل، في ثلاثة مواطن. غير أني أريد أن أنصف القارئ: فقد تشبث الكاتب - بعد تسليمه ذلك - بدليل فريد، لعله أن ينفي به زلزلة الأذن، أي اضطرابها وتحركها، (ومن يتلمس الخطأ لغيره لابد له أن يتشبث بشيء). فقال غير مزلزل القلم: إن أذن الإنسان - من بين جميع الحيوان - لا تتحرك البتة. وهنا أعود إلى تبصير الكاتب بما تواضع الناس على تلقنه وقبوله. فحسبه ما جاء في كتاب قررت وزارة المعارف المصرية استعماله بمدارسها، وعنوانه:(خلاصة الطبيعة - الجزء الرابع: في الصوت) الطبعة الـ ١٤، مصر ١٩٣٠، ص١٢٥:(شرح عمل الأذن: عند حدوث صوت بالقرب من الأُذن تنقل التموجات الهوائية داخل الأُذن الخارجة وتؤثر في غشاء الطبلة فتهتز بحركة مماثلة لحركة مصدر الصوت، لأن شكل ذلك الغشاء وقوة توتره يمكنانه من الاهتزاز بتأثير أي صوت خارجي). إن الكاتب يظن أن كل الأُذن - وهي جهاز السمع - هو ما يراه إذا نظر إلى مرآته - إلا أن في هذا التبصير الجديد الكفاية. وهل تبصر الخلق ببسائط لغتهم ثم بمبادئ العلوم إلا على جهة التسلي والتلهي؟
تشبث الكاتب بهذا الدليل الفريد - وقد عرفت بطلانه - بعد أن سلم بصحة قولي في الأمور الثلاثة التي كان نازعني فيها. على أن تسليمه بأني بصرته بما كان يجهل أوغر صدره، فنثر حول قهره ما نثر من نفاية الكلام؛ وذلك نتركه له، فليتطوق! فكل يتزين بما تملك يده، و (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
بشر فارس
الدكتور عبد الوهاب عزام
قصدت (القاهرة) في هذا الأسبوع، واشتريت نسخة من (رحلات) العلامة النابغة الدكتور عبد الوهاب عزام أستاذ جامعة فؤاد الأول. وقد رآني أحد خلصاني من أئمة الفضل من الشاميين أحرث مرقومها مستهدياً مستفيداً. فقال لي: ما هذا الكتاب؟
قلت:(رحلات) عبد الوهاب عزام
فقال: اسمع يا شيخ، أيقن أن (مصركم) هذه لم تفضل سائر الأقاليم العربية أنها أكثر منهن عدداً، ومالاً، وعلم أشياء وحضارة في انحاء، وشبه نظام. ولكنها فضلتهن، وتاهت عليهن