للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن أساتذتك علموك أشياء ترجع في جملتها إلى فهم علوم اللغة العربية من نحو وصرف ومعان وبيان وبديع وعروض، وهي علوم نفيسة جداً، ولكنها لم تصل بأصحابها إلى شيء، فقد كنت لعهد التلمذة أكتب لأساتذتي ما يريدون توجيهه إلى الرؤساء والوزراء، ولو شئت لقلت إني أديت امتحانات أمام أساتذة فضلاء لم تكن دروسهم إلا قبساً مما جاد به قلمي على أولئك الأساتذة الفضلاء. فما هو سر البيان الذي أريد أن أفضي به إليك؟

هو العقيدة الأدبية، هو العقيدة الأدبية، هو العقيدة الأدبية

ولن تكون كاتباً ولا شاعراً ولا خطيباً بدون تلك العقيدة وإن كنت أعرف الناس بالدقائق من علوم اللغة العربية!

فما هي تلك العقيدة؟ هي روحك، أيها الصديق، ولا قيمة لأديب يعيش بدون روح!

الأدب في جوهره صورة من الروح الشفاف الذي ترتسم عليه صور الوجود، فإن كان لك روح، فأنت أديب، وإلا فأنت نسخة ثانية من الشيخ فلان الذي لا يعرف من الأدب غير قواعد النحو والتصريف.

العقيدة الأدبية هي أن تغار على الأدب، كما يغار رجال الدين على الدين. فأين أنت من تلك العقيدة، أيها الصديق؟

أنت تعرف أن في الدنيا ناساً عانوا أبشع ضروب الاضطهاد بسبب التمسك بعقائدهم الدينية، ومذاهبهم السياسية، فأين أنت من أولئك وهؤلاء؟ وما الذي أعددت من ضروب التضحية في سبيل الأدب، وهو غذاء قلبك وروحك؟

إن الأديب الحق يحدثك عن نفسك بما تجهل من شؤون نفسك. فما جزاؤه عندك وهو يستكشف الخفايا من ضميرك وروحك؟

ما جزاؤه عندك وهو يشقى لتسعد، ويموت لتعيش؟

أنا أعرف جزاء الأديب عندك، أيها الصديق، فأنت خصصتني بكلمات طيبات أرهفت حسي وأذكت بياني، وسأذكرها بالخير ما حييت. ولكن، ما الذي يمنع من أن تتقدم لمعاونتي على ما أحمل من أعباء؟

أتقول: إن الزيات لا يستجيب لندائك في كل وقت؟

إن كان ذلك، فقدم إلي ما يهمك نشره لأحتال في عرضه على القراء بأسلوب يرضيهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>