للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإنسانية وضرورة من ضروراتها، ولا يستطيع الإنسان أن يؤدي وظائفه الجنسية والعقلية ويحقق كماله المنشود بدونها؛ ومن هنا جاء هذا التعبير المشهور: (الحق الطبيعي) الذي يعتبر عنوان النظرية المثالية. وإذن الحق فكرة لا أمر وجودي، ومبدأ عقلي لا ظاهرة واقعية؛ والظواهر الواقعية على اختلافها ما كانت لتصل إلى تصوير الحقوق بهذه الصورة المثلى. وقد يسلم بعض المثاليين بوجود حقوق مكتسبة، ولكنها تختلف عن الحقوق الطبيعية كل الاختلاف، ولا تسمى حقوقاً إلا بضرب من التوسع والمجاز؛ وفرق ما بين الحق الطبيعي والمكتسب أن الأول مصحوب دائماً بعاطفة داخلية وشعور باطني يقدسه ويحترمه وتجمع العقول السليمة على التسليم به

لا نزاع في أن هذه النظرية المثالية تصعد بفكرة الحق إلى مستوى المبادئ الثابتة والحقائق المسلمة، وتريد أن تقول إن الحق لم يكن حقاً لمجرد أن العرف رآه كذلك، بل لأن العقل والطبيعة استوجبت أحقيته، ولا نزاع أيضاً في أن المثاليين بوجه عام يذهبون إلى أن الحق والخير والفضيلة ذات قيم ذاتية قدسها من أجلها الناس، وكل ذلك اعتداد بفكرة الحق وتدعيم لها على أساس عقلي لا نتردد في أن نقدره ونجله. غير أن هؤلاء المثاليين يتناسون الواقع والتاريخ ويغفلون كل التطورات التي مرت بها الحقوق الإنسانية ولا ينظرون إليها إلا في مرحلة كمالها ويزعمون أن الحقوق كلها نشأت على هذه الصورة. مع أن حقوق الإنسان لم يعترف بها إلا بعد أجيال وثورات عديدة، ولا تزال حتى اليوم مجال أخذ ورد؛ والحقوق الطبيعية ليست من الجلاء والوضوح بالدرجة التي يتصورها بها أنصارها، فإنا لا نفهم حقاً كانت الطبيعة وحدها مبعثه. وفوق هذا ففكرة الحق مصحوبة بشيء من الحرمة والتقديس لا تستطيع النظرية المثالية أن تفسره، فهناك حقوق نرى من الإثم الكبير أن نخل بها أو نعدو عليها، وما ذاك إلا لأن التعاليم الدينية أحاطتها بسياج من الجلال والرهبة. وفي اختصار، لئن كان المثاليون قد تلمسوا في بعض الحقوق أسباباً عقلية وطبيعية تؤذن بأحقيتها، فليس معنى هذا أن هذه الحقوق إنما استمدت من العقل والطبيعة

لذلك أحسن الواقعيون كل الإحسان في دراستهم للحقوق دراسة تاريخية وتتبعهم لنشأتها وتطورها. والنظرية الواقعية أشبه ما يكون برد فعل للنظرية المثالية، نبتت في القرن

<<  <  ج:
ص:  >  >>