وضاق الشاعر بوحدته بين هذا الناس وضاقت به دنياه؛ فأعتزم الخلاص. . . ولكن روحاً لطيفاً أطل عليه من سماواته فثبت فؤاده. . .
وابتسمت له فأبتسم، وعادت إلى الحياة نضرتها في عينيه، ووجد أنساً من وحشته حين أيقن أنه ليس وحيداً في دنياه!
وعاد يغني. . . ولكن غناءه اليوم ليس له وحده؛ إنه لحن مؤلف من خفقات قلبين قد اجتمعا على أمل. . .
وغنى بها عن الناس، وغنيت به؛ فما يهمه اليوم أن يسمع الناس ما يصدح به من أغاريد الحب أو يكون لها وحدها شدوه وغناؤه!!
أه. . . لشد ما تقسو عليه دنياه!
كان ذلك منذ سنين أما اليوم فقد عادت تقاليد الجماعة تضرب بينه وبينها بسور ليس له باب؛ وعاد إلى الحياة وحده، لا يدري من أمرها ولا تدري من أمره. . .
. . . وأشرق الصبح عليه صبيحة عيد الميلاد، ومازال يراوح بين جنيه في فراش الوحدة لم تغتمض عيناه!
ما هو؟ وأين هو؟ وما دنياه؟
أنه ليحس من حوله فراغاً هائلاً ليس له قرار؛ وإن الوحدة لتكتنفه، فما يشعر أن ثمة أحداً بجانبه يفزع إليه ليؤنس وحشة قلبه؛ وإنه ليعيش من زحمة الحياة وصخب الأحياء في ضجة يموت فيها النغم ويتلاشى الصدى؛ ففيما العيش؟ وما جدواه؟ وإلى أي غاية يمضي؟
وعاد يلتمس الوسيلة إلى الخلاص!. . .
وقالت له نفسه: أتحسب يا صاحبي أنك قد فرغت من دنياك حين خلوت إلى نفسك؟ فما أنت بشاعر!. . . لئن كنت قد عفت الحياة وكرهت المقام في دنياك لأمر من أمور دنياك - إن الحياة ما تزال تطالبك بحقها عليك؛ فإن أديته. . . وإلا، فلست من شعرائها، ولا كنت!. . .
. . . ما الشعر إلا رسالة الحياة إلى الأحياء تعبر عن أسرار الحياة ومعانيها؛ وما هو إلا قبس من نور السماء يتنزل على قلب بشر لتنير به السماء ما حوله من ظلمات البشرية؛