للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التعاون، وقد أصبح على أي افتراض ضرورة الزمن. زعموا ذلك وكأنهم لا يسمعون بكاء صرعاه، ولا يبصرون مصارع قتلاه. لئن قام عليه بيت فقد خربت به مئات البيوت، ولئن انفرج به يوما ما ضيق فكم ضيق على صاحبه السبل. وماذا فعل الربا بأهل الأسر الكريمة منا؟ ألا نرى أن الدين قد طغى على رأس المال بسبب تراكم فوائده حتى صار أضعافاً مضاعفة على الرغم من أداء ما كان بقي بأكثره إن لم يزد على أصله، وأنهم قد أصبحوا على شفا هاوية الإفلاس المدمر؟

إذا تقدم صاحب المال به لاستثماره وإنمائه فليس له إلا أن يضع نفسه منه حيث يكون إذا اتجر فيه فربح أو عمل فخسر، وفي هاتين الحالتين له ربحه وعليه خسارته، وليس له عن هذا مفر فتلك طبيعة السعي وسنة التجارة، وإذا كان هذا مآله وهو الحريص على ماله الطامع في ربحه فلم يطلب من غيره وقد قام مقامه فيه أن تكون الأسعار في قبضته فلا يتجر إلا ربح، ولا يطلب إلا ظفر، حتى لا يرضى منه أبداً إلا بالربح المقدر أو الثواب المعجل؟ أليس ذلك بالطمع المرذول والتحكم الظالم؟

وكذلك الحال في طريق الحكم وإدارة أمور الدولة، جعل الأساس فيه المشورة فقال (وشاورهم في الأمر) فنفى الاستبداد بأنواعه وقضى عليه بأشكاله، وأقام أمر الناس على الشورى، وجعل لهم بعد ذلك الخيرة في نوع الحكم الشورى الذي يلائمهم ويتفق مع ثقافتهم ويتصل ونشأتهم، ويتدرج مع نموهم ملكياً كان أو جمهورياً بمجلس واحد أو بمجلسين ذلك لأنه لا يوجد نظام معين للحكومة صالح على الإطلاق، إذ الصلاحية وصف عرضي معناه التناسب بين نوع الحكم وحال الأمة التي اتخذته نظاماً لسلطانها

وفي شرائع القتال سن القواعد الكفيلة بمنعه، والمخففة لويلاته إذا وقع، والداعية إلى السلم إذا أمكن، فقال (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) وقال: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) وقال: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) وقال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) وقال: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) والحرب إذا كانت للدفاع ومنع الظلم وخلت من العدوان والبغي ولم تتجاوز في أهوالها ما اقتضته الضرورة وانتهت عند حد الدفاع كف البغي، كانت صيانة للسلم وضرورة يتطلبها الوجود، من تركها هلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>