أما أساس الروابط بين المسلمين فهي الأخوة. إنما المؤمنون أخوة. وبينهم وبين غيرهم البر والإقساط، لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. وذلك كفيل بتوثيق العلاقات بين الأمم وتأكيد المودة بينهم ما لم يبغ بعضهم على بعض طمعاً في مال أو علواً في الأرض أو تحكما في العقائد. هذا إلى ما شرعه من القواعد في إصلاح حال اليتامى وإدارة أموال السفهاء، وما فرضه من الحقوق في أموال الأغنياء للفقراء، وما جاء به من الأوامر حاضاً على التعلم والعمل والسعي في الأرض، والمحافظة على الأجسام حتى تتعاون الأمة في إصلاح أمورها والمحافظة على أموالها، والقضاء على الأمية فيها، والقضاء على البطالة، وحتى لا تجد مبادئ الاشتراكية المتطرفة السبيل إلى نفوس أفرادها، ولا الأوتقراطية القاسية الوسيلة إلى المقام فيها
هذه سنة القرآن في تشريعه في جميع نواحي الحياة شخصية واجتماعية، سياسية ومالية، إدارية وقضائية، لم تتجاوز القواعد العامة إلى التفاصيل التي تتطور بتطور الأمم، وتتجدد بتجدد الحوادث، وتختلف باختلاف البيئات، ولذا بقيت مبادئه سليمة، تناسب كل الأمم، فيتسنى لها أن تتخذها أساساً في تشريعها حسب ما تقتضيه بيئتها ومصالحها.
كانت هذه طريقته، إلا في مسائل معدودة عمد فيها إلى نوع من التفصيل والتطبيق، لأن مصلحة الناس في ذكره ومفسدتهم في تركه، فإنه وإن ترك أمر تقدير العقوبة إلى أولي الأمر لابتنائه على ما يحيط بالجاني من ظروف، وما يتصل به من أسباب، وما له من ثقافة وتربية، استثنى من الجرائم خمساً لما فيها من الاعتداء البالغ على الدين والنفس والمال والعرض، وهي السعي في الأرض بالفساد والقتل والزنا والسرقة والقذف، جعل لكل منها جزاء يمكن أولاً أن يتخذ معياراً في تقدير العقوبة على الجملة مع مراعاة قوله تعالى:(وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) فبين جزاء الأول في قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم، إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) وجزاء الثانية في قوله: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى: الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) وجزاء