الثالثة في قوله:(الزانية والزاني، فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) وجزاء الرابعة في قوله (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله) وجزاء الخامسة في قوله (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) فهذه عقوبات دائمة تتناسب في شدتها وصرامتها مع عظم آثار جرائمها حتى تكون مانعة من العود مصلحة للنفس، ومن كبير القول وصفها بأنها عقوبات لا تتفق مع هذا الزمن أو لا تتلاءم مع حال هذه الأمة وما وصلت إليه من ثقافة وحضارة وتمدين، لأن حضارتها أو ثقافتها إذا جنبتها هذه الجرائم فقد تجنبت، كذلك جزاءها، وإن اقترفتها كان جزاؤها العلاج الواقي من تكرارها. وقد ترك بعض الأمم عقوبة القتل وما لبث أن عاد إليها، وكذلك أهملت العقوبات الأخرى فانتشر الزنا وعمت السرقة وفحش القول، ولا منجاة إلا باتباع ما سنه القرآن في جزائها، وليس يوزن الجزاء بموافقته الهوى وائتلافه مع الميل وإنما يوزن بما يفيد من أثر في الردع ونتيجة في الإصلاح
وكذلك فعل في تشريع الميراث فعين لكل وارث حظه مما ترك مورثه، لأن المال كان ولازال مثار الفتن، ومصدر البغضاء والإحن، ومنشأ الخصومة والفرقة، والاتفاق على توزيعه بين الورثة عسير، ورده إلى مقاييس معقولة وموازين مسلمة غير ممكن، فكان لابد من أن يجنب الورثة ما يجلب عليهم الشقاء ويشيع فيهم الخلاف وذلك بأن يقسم بينهم الحكيم العادل القسمة المرضية المبنية على كمال الحكمة والمحققة لتمام العدل وسكون النفس ورضا الغير
اقترن التشريع القرآني بالتشريع النبوي وهو المعروف بالسنة فكان الثاني للأول مبيناً لإجماله مطبقاً لقواعده، وليس كل ما يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من التشريع، لأنه عليه السلام بشر من الناس له مثل ما لهم من الأمور العادية والمهام البشرية فما يؤثر عنه في هذا المحيط لا يعد من التشريع ولا يتخذ أساساً لأمر ونهي، ولكل إنسان عادته البشرية يتبع فيها قومه وسلفه ويتأثر فيها ببيئته؛ أما غير ذلك مما يتصل بالتشريع للناس وإلزامهم باتباعه فهو السنة المتبعة. غير أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الدائرة كانت مكونة من عملين: الأول بيان التشريع القرآني، والثاني تطبيقه على الحوادث