حراره وعقابه من القلوب الغلف والضمائر السوء
لابد لليتيم الكهل من نضال جديد، ولابد من توديع الاتجار بالعروض والأموال للدخول في تجارة جديدة لا يكون فيها الربح غير الهلاك بالقتل والإستشهاد، إن لم يعصمه الله من الناس
وبرز محمد لقومه برأي كان في نظرهم أجرأ الآراء
برز لهم وهو أعزل لا يملك من السلاح غير اليقين، وهو أضعف أدوات القتال في عصور الظلمات
وما كان قوم محمد إلا قوماً فحولاً طاولوا الدهر وصابروا الزمان، وكان فيهم من يملك التصرف بأحلام الأمة العربية، ومن يقدر على إيذاء سمعته بكلمة أو كلمتين. وما هي إلا أيام حتى شاع في جميع القبائل أن محمداً أصيب بالخبال والجنون، وفي أي أرض؟
في أرض بدوية تسير فيها قالة السوء بأسرع من ومض البرق
فما الذي يصنع اليتيم الكهل وقد أشيع أنه مخبول مجنون؟
رجع إلى عزيمته يستفتيها، فحدثته بأن النضال هو اشرف ما يعتصم به كبار الرجال
وكانت أيام عرف فيها محمد أن حراسة الغنم أسهل من حراسة الأصدقاء. كانت أيام عرف فيها أنه يعاود حياة اليتم من جديد فما الذي يصنع؟
لابد من نضال، لابد من نضال
لقد انتهى عهده بالنضال الهين الخفيف يوم كان يسهر على زاده وتجارته ليأمن غوائل الأعراب بالليل، انتهى عهده بالجزع على ضياع صرة فيها دراهم أو دنانير يدخرها لسرور زوجته الغالية حين يرجع من أسفاره في تثمير ما تملك من أصول المنافع الدنيوية، وأقبل عهد جديد، هو عهد السهر على الضمائر والقلوب ليحميها من غوائل الشرك، وليقيها شر الفساد والانحلال
ولكن الذين يعنيه أمر هدايتهم يرونه من أهل الفضول، ويسمعونه اقبح عبارات السخرية والازدراء، فماذا يصنع؟
لابد من النضال، ولابد من الترحيب في سبيل العقيدة بالظمأ والجوع والقتل. وهنا تظهر عظمة محمد المؤيد بقوة خفية تهوّن عليه المصاعب والأرزاء