فسمع محمداً يقول:(قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا، وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون)
وسكت محمد رسول الله، وانفض القوم ساخرين، واقترب الأرقم منه وقال: إن كان الإسلام ما تقول، فأنا على دينك، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. . .
قام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتلو عليهم بعض آيات القرآن الذي كان ينزل عليه، فلا يجد منهم إلا الإعراض والهزء والسخرية، بل كانوا يتجاوزون ذلك إلى إنزال الأذى به وبأصحابه القلائل الذين فضلوا الإسلام على الشرك، وأمعنوا في الأذية، وتدرع المسلمون الصبر، ورأى الأرقم ذلك فداخل قلبه الهم الكبير والحزن المضني، وعزم على تخفيف آلامهم وشقائهم مهما كلفه ذلك، ووطّن نفسه على تضحية روحه وأهله وما يملك في سبيل هذه الدعوة الجديدة التي تغلغلت في كل جارحة من جوارحه
جلس في إحدى زوايا داره الصغير يفكر ويمعن في التفكير لقد كنت ضالا فأنعم الله عليّ بالإسلام، وكنت لا أهتم بسوى نفسي وأسرتي فأصبحت يملأ رأسي التفكير في هؤلاء الإخوان الذين تربطني بهم أقوى رابطة في العالم ألا وهي رابطة الإسلام؛ وكان أكبر واجب ملقى على عاتقي هو تأمين معاش هذه الأسرة الصغيرة فأصبح من أوجب الواجبات عليّ اليوم أن أنهض لأدعو إلى الإسلام، لألاقي من الأذى ما لاقاه إخواني، أو أن أحميهم بما أحمي به أهلي وولدي، وكيف لي بحمايتهم؟ أم كيف لي بدفع الأذى عنهم؟ لابد من العمل، لابد من العمل
وراح يستعرض المسلمين في مخيلته ليقف على عددهم، فوجدهم ستة ورأى نفسه السابع، وفاجأته فكرة ملهمة برد لها قلبه واطمأنت إليها جوارحه: إن في داري متسعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولإخواني المسلمين، وإن فيها أمنا لهم وخلاصا من شقائهم، أفلا أستطيع أن أضمهم فيها على غير علم من المشركين؟
وأسرع إلى رسول الله، فأعلن أمامه الرأي الجديد، وبسط بين يديه الأسباب التي دعته إليها وقال له: