في صدرها، وهذه الزعامة التي تتبوأها من العرب. وقد خشيت لذلك أن يتحدث الناس فيقولوا إن محمداً دخلها عليهم عنوة. . . فلم يطمأنوا إليه، ولم يسكنوا إلى غايته البريئة، فاتهموا وفد خزاعة وجبهوهم. . . ورأيتهم اليوم يتداولون الرأي، ويتبادلون المشورة، ويعقدون المجالس. فهذا أبوك يذهب إلى أبي سفيان؛ وهذا أبو جهل يسير في وقدة الظهيرة، فينتقل من بيت إلى بيت، وقد ركبه الغم وغشاه القلق، وعلت جبينه كآبة المهموم
- يا للبشرى يا أخت عبد الله! من لي بجناحين أطير بهما من هذا الأسر. . . فأكون مع النبي في عمرته وزيارته؟! فأين هو الآن يا أختاه؟. . .
- إن محمداً وصحبه في (ثنية المرار) يا أبا جندل. . . وإنهم الآن إلى جانب تلك الشجرة الضخمة القائمة هناك. . . ألا تذكر لقيانا إياها في البكور والأصائل. . . والتجاءنا إليها في الظهيرة والضحى حين كنا نمر بها في طريقنا إلى الوادي. . . صغيرين نقسم باللات، ونقدس العزى، ونعبد الأصنام. . .؟! لقد وهبنا الله عقولنا، وبث فيها النور،. . . فآمنا. . . ولن يضيع الله إيماننا يا أخي. . . وسنجتمع إلى النبي، وسنصلي معه، وسنقرأ القرآن. . . وما أحسب إلا أن وثنية مكة تتضيف للأفول. . . وأن ظلامها سينجاب. . . وأن جبالها ستطفح بالنور الذي يملأ الأرض. . . فلقد اضطرب فيها الأمر فقام الحليس بن علقمة سيد الأحابيش يهدد قريشا فيمن يهددها، ويقول في البيت الحرام بملء فيه:(يا معشر قريش. . . والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أيصد عن بيت الله من جاءه معظماً له. . . والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفِرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد. . .)
- وهل خضعت قريش لهذا التهديد؟
- إن قريشا لا تدري ما تدع وما تأخذ يا عبد الله. . . وهي منقسمة مختلفة فيما بينها، لا يستقر لها رأي، ولا تستقيم لها خطة. . . وهذا (أبان بن سعيد بن العاص) يجير عثمان بن عفان رسول النبي، وقد وصل مكة اليوم. . . وصافحت عيناه أرضها بعد هجرة سنوات، وجاء يبلغ رسالة محمد إلى أبي سفيان وعظماء قريش. . . فتحتبسه قريش عندها، وتعقد ندوتها. . . ويخرج أبوك منذ الصباح الباكر. . . فلا يعود إلا مع الشعاعات التي كانت تودع المدينة، لتنام في أحضان الأفق. . . ويدخل غرفته لا يكلمنا ولا يتحدث إلينا. . .