للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- ٢ -

لا هُمَّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

فاغفر فداء لك ما أبقينا ... وألقينْ سكينةً علينا

وثبّتِ الأقدام إن لاقينا ... إنا إذا صيح بنا أبينا

وبالصياح عوّلوا علينا

على توقيع هذا النشيد المطرب، وترجيع صوت الحادي اللين سارت قافلة المسلمين تحت ظلال الراية البيضاء تتبع محمد إبن عبد الله، وما زالت تصعد وتهبط حتى تراءت للعين حصون خيبر شامخة تشق السماء وقد لفها غلس الدجى، وعلى قيد أميال منها وقف النبي يتأملها فوقف الركب معه، فرفع يديه يناجي ربه ويقول:

(اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها؛ ونعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها)

وأمضى المسلمون ليلتهم على مرأى منها، فلما أصبحوا قام النبي يقول:

(ألله أكبر، الله أكبر، هلكت خيبر! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)

وانطلق المسلمون يكبرون، وكأنهم كلما رفعوا بالتكبير أصواتهم، بالغوا في إظهار إخلاصهم لبارئهم، وإن من الجبال لما يهتز لتكبيرهم ودعائهم، وإن منها لما يتصدع من خشية الله

فقال لهم النبي: (اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم)

وخرج عمال خيبر إلى مزارعهم فراعهم جيش المسلمين فرجعوا إلى أهلهم يصيحون:

- محمد والخميس!

وفزعت خيبر وأغلقت أبوابها، وظل المسلمون يحاصرونها ويضيقون عليها. ومن برج مشيد أطل (حيي بن أخطب) على جيش المسلمين فرأى الراية البيضاء في يمين (علي بن أبي طالب) فكأنما رأى ملك الموت يدلف إليه، فقال:

- تبا لكم! ألا فتى غير هذا يحمل اللواء؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>