هل قرأتم وصف الجنة في الكتب الدينية؟ فيها من كل فاكهة زوجان، وفيها حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، فيها كل الطيبات، وفيها الأمان المطلق من المرض والموت. ولكن هل سمعتم أن الجنة سيكون فيها كتّاب وشعراء وخطباء وجرائد ومجلات وكلية آداب؟
وكيف تكون هذه المعاني في الجنة وقد أراح الله أهلها من صيال الشهوات والأهواء؟
قيل أن أهل الجنة سيكون أكثرهم من البُلْه، وقيل في تفسير ذلك إن البُلْه يقل تعرضهم للموبقات فيخرجون من الدنيا بسلام وقد أهلتهم البلاهة لاحتلال الفردوس
وأقول بغير ذلك التفسير، أقول إن أهل الجنة سيكونون بُلهاً لأن الله سيرحمهم من التعرض لآفات الشطط والجموح في ميادين الفكر والعقل والوجدان
وما حاجة أهل الجنة إلى الذكاء وهو عناء؟ إن الذكاء وسيلة للتخلص من المعاطب، وأهل الجنة في أمان من المعاطب
والأدب في جوهره تعبير عن بلاء الإنسانية بالصراع بين الحُسن والقُبح، والنضال بين الشك واليقين، فما حاجة أهل الجنة إلى ذلك التعبير وهم يُرزقون بلا حساب، ولا يحسون الخوف من تلون النفوس وتقلب القلوب؟
وأنتم تستطيعون الوصول إلى ما يشبه نعيم الجنة في كل وقت، إن رضيتم بحظوظكم في الحياة، ولكنكم لن تكونوا أدباء، لأن الأدب ليس إلا تعبيراً عن ظمأ الأرواح والقلوب إلى غايات عالية لا يدركها الراضون عن حظوظهم في الحياة
الأدب يأخذ وقوده من قلق الأفئدة والأرواح والعقول، ولا يقع ذلك القلق إلا عند اضطراب المجتمع. فليت شعري كيف يجد خصمي حجته وهو ينتظر ازدهار الأدب في رحاب المجتمع الهادئ الرزين؟
الأدب من صور الحياة، والحياة تَقلُّب وتَفزُّع وصراع، وهل يعرف السلام المطلق غير الأموات؟
إن أساتذة الآداب يتحدثون بأن عصور الانحطاط السياسي في الدولة العباسية كانت عصور تقدم في العلوم والآداب والفنون وهم يعللون ذلك بالتنافس بين الرؤساء والأمراء والملوك
فما رأيكم فيمن يذكر لذلك سبباً آخر هو اليقظة التي خلقها انحلال المجتمع السياسي في العصر العباسي؟