وهل كان النزاع بين العرب والفُرس إلا صورة من صور الاضطراب في المجتمع الإسلامي؟ هو ذلك، ولا ريب، فأين من ينكر أن النزاع بين العرب والفرس عاد على الحياة الأدبية بأجزل النفع، وقدم للأدباء فرصاً ثمينة لتشريح خصائص الشعوب؟
وتسمعون في كل يوم أن مصر لها الزعامة الأدبية بين الأمم العربية. فمن أين وصلت إلينا الزعامة وهي حق؟ أترونها نزلت علينا من السماء بعد انقضاء عصور الوحي؟ أترون الأمم العربية قدمتها إلينا هدية؟ لا هذا ولا ذاك، وإنما كانت لنا الزعامة الأدبية لأننا نفوق سائر الأمم العربية في التمتع بأكبر نصيب من اضطراب المجتمع، وإليكم بعض البيان:
في بلادنا تصطرع جميع المذاهب والعقائد وفي بلادنا تقتتل جميع العادات والتقاليد. وفي بلادنا يلتقي البحران: بحر المدنية الشرقية وبحر المدنية الغربية. وفي بلادنا يجتمع الضب والحوت، وتمتزج أنغام المؤذنين بأصوات النواقيس
عندنا برج بابل المشهور في التاريخ، بل عندنا برجان هما الأزهر والجامعة المصرية، يتجه أحدهما إلى الشرق فيكون خلف الضفة الشرقية للنيل، ويتجه ثانيهما إلى الغرب فيكون حول الضفة الغربية
وهذا اضطراب بلا جدال، لأنه تقلب للوجوه بين الشرق والغرب، ولكن من هذا التقلب ظفرت مصر بالزعامة الأدبية بين الأمم العربية
فالأديب المصري يغرِّب إن شاء فيرى القاهرة في ثياب (أليس) ومرجريت، ويشرق إن شاء فيراها في عباءة ليلى وظمياء
وبفضل هذه البلبلة بين الحضارة والبداوة نهضت قواعد الأدب المصري الحديث
وقد حدثت تلاميذي بكلية الآداب في سنة ١٩٢٧ أن الأدب لن يسمو ولن يرتفع إلا إذا اشتركت المرأة في سياسة المجتمع
ومعنى ذلك أن المرأة تخلُق في حياة الرجل ألواناً من الرضا والغضب، والقسوة واللين، وتسوق إليه فنوناً من الرفق والعنف والبؤس والنعيم
المرأة مصدر اضطراب في حياة الرجل، وبفضل عصيان جدتها حوّاء عرف جدنا آدم هذه الأرض، فحرث وزرع وحصد، وعرف معاني اليأس والرجاء، ومهّد لأبنائه سبيل الأدب الرفيع بوصف ما في الحياة من أزهار وأشواك، وحقائق وأباطيل