العمل عند بدو الصحراء وعرب الحجاز على محاولة الأحباش أن يجعلوا من هيكلهم نظيراً للكعبة. ولاشك أن هذا الوهم لم يكن ليمكن تصوره، خصوصاً وأن الأحباش إذا فرض أنهم قاموا بمثل هذه المحاولة التي ينسبها مؤرخو العرب لهم، فستكون هذه المحاولة وقفاً على النصارى من العرب وهؤلاء بحكم دينهم منصرفون عن الكعبة. فإذا جاز أن نحمل هذه المحاولة على الرغبة في التبشير بالمسيحية بين العرب، فلاشك أن مثل هذا الحادث الخطير لم يكن ليمر بدون إشارة في كتب تاريخ الكنيسة الشرقية. ومن هنا لا نرى محلاً لقبول ما يقول رواة العرب عن سبب تعرض الأحباش للحجاز.
إذا صحت استقراءاتنا ونظرتنا للموضوع، فإن الصلة تكون مفصومة بين تعرض الأحباش للحجاز ومكة، وبين وجود هيكل للنصارى بصنعاء. على إنه بعد ذلك مما يستوقف النظر، ما نراه من الاتفاق عند مؤرخي العرب في تسمية الحملة الحبشية بسفر الفيل، وذلك على اعتقاد وجود بعض الفيلة في قوات الأحباش. على أن اعتقاد وجود بعض الفيلة في جيش الأحباش باليمن يسوقنا إلى مواقف على جانب كبير من الخطورة، يميل معها بعض المؤرخين الأعلام من الغربيين إلى إنكار وجود الفيلة في قوات الأحباش. ذلك لزعمهم إنه لا يمكن تصور إمكان الاحتفاظ بالفيلة في اليمن وتسييرها في صحارى نجران. فضلاً عن أن الفيلة الأفريقية (التي قد يكون الأحباش جلبوها إلى اليمن إذا صح هذا الاعتقاد) من الصعوبة ترويضها حتى أن بعض الثقات الأثبات من علماء الحيوان يرون استحالة ذلك وهذه الاستحالة جعلت المؤرخين يرجحون أن تكون الفيلة التي ورد ذكرها في حروب القرطاجنيين قديماً فيلة مجلوبة من الهند غير أن افتراض جلب الأحباش فيلتهم من الهند يقف في سبيل قبوله أن الأحباش لم يكونوا على دراية بترويض الفيلة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأنهم لم يكونوا أصحاب أسطول يمخر عباب البحر الهندي، حتى يمكنهم جلب الفيلة الهندية على أن هذه الاعتراضات من الممكن ردها إذا لاحظنا أمرين غابا عن هؤلاء الباحثين: الأول أن الأحباش استعانوا بأسطول الروم لنقل جيوشهم عبر باب المندب والبحر الأحمر حين شنوا الغارة على اليمن. وثانياً أنه كان للروم سفائن حربية وأخرى تجارية في البحر الأحمر. وهذا يجعل من الممكن جلب بعض الفيلة من الهند بواسطة سفائن الروم وأن يستعين الأحباش ببعض الهنود في تسيير هذه الفيلة في حملتهم على