فارس. ولاشك أن تعاون الروم مع الأحباش أولاً، والغرض من الحملة وهو مساعدة الروم ثانياً يجعل لتفسير تسمية حملة الأحباش بسفر الفيل وجهاً مقبولاً.
تقدم الأحباش بقواتهم شمالاً، لكنهم لم يكادوا يقربون مكة حتى ألمت بهم كارثة أودت بهم. وبعض المراجع العربية ترجح أن تكون هذه الكارثة هي تفشي الجدري في جيش الأحباش. والقرآن الكريم يؤيد كلام المؤرخين العرب
على أن إشارة القرآن إلى أصحاب الفيل، تحمل في تضاعيفها دلائل قوية على معرفة العرب لقصة سفر الفيل من جهة، وعلى أنها حديثة العهد بهم؛ على أن ما قدمه القرآن لنا في صورة موجزة توسع فيه رواة العرب وخلطوه بالأقاصيص وشحنوا به كتب التاريخ والسيرة والأدب. وهنالك بعض الشعر المزعوم قوله في حادثة الفيل، تجد بعضه منسوباً لابن الزبعري والبعض الآخر لأمية بن أبي الصلت. فمن المنسوب للأول هذه الأبيات:
وتنكلوا عن بطن مكة إنها ... كانت قديماً لا يرام حريمها
لم تُخلق الشعرى ليالي حرّمت ... إذ لا عزيزَ من الأنام يرومها
سائل أمير الجيش عنها ما رأى ... ولسوف ينبي الجاهلين عليمها
ستون ألفاً لم يؤوبوا أرضهم ... بل لم يعش بعد الإياب سقيمها
كانت بها عاد وجُرْهم قبلهم ... والله من فوق العباد يقيمها
أما الأبيات المنسوبة لأمية فهي:
ومن صنعه يوم فيل الحبو ... ش إذ كل ما بعثوه رَزَم
محاجنهم تحت أقرابِه ... وقد شرَّموا أنفه فانخرم
وقد جعلوا سوطه منوَلا ... إذا يمموه قفاه كُلِم
فولى وأدبر أدراجَه ... وقد باء بالظلم من كان ثَم
فأرسل من فوقهم حاصباً ... فلفَّهم مثل لف القُزُم
تحض على الصبر أحبارُهم ... وقد ثَأجوا كثُؤاج الغنم
ويفهم منها أن الكارثة التي ألمت بأصحاب الفيل كانت مزدوجة: ريح سموم هبت عليهم، ووباء تفشى فيهم، وحمل الوباء عند العرب على الريح السموم. على إنه مما يستوقف النظر في هذه الأبيات ورود لفظة (الأحبار) في البيت الأخير مع أن الأحباش لم يكونوا