حتى إذا كان اليوم التالي، قابلتها مرة أخرى. . . وفي هذه المرة أيضاً، أفضت إلي عيناها بما لم أجرؤ أن أصدقه. .
كنت حديث عهد بالهوى، فلم أدر ما أفعل. . . ولو أنني خلوت بها في مكان ناء لكان في وسعي أن أقدم على تصرف سريع، دون أن أتفوه بحرف واحد. أما وقد كنت في بيروجيا فلم يك أمامي غير أن أزورها حيث تسكن، أو أن أبوح لها بحبي على قارعة الطريق، في جرأة أستمدها من أناة أتذرع بها. . .! وما كنت لأجد في نفسي هذه الجرأة، فما عتمت أن تحولت تاركا الأمور تجري في أعنتها. . . ولكنها لم تلبث أن غادرت المدينة!. . .
لم تك غيبتها هذه إلا نزهة قصيرة ما كانت لتستغرق الشهر أبداً، بيد أنني كدت أقضي حزناً وأسى، إذ أذكى البعاد أوار الحب في قلبي، وأصبحت أرى في البقعة التي كنت أصادفها عندها، قبلة أحج إليها. كما كنت أقف في الأمسيات أمام دارها، وقد غمرني شعاع القمر، والوجد يلهب أحشائي، والأسى يمزقني بأنيابه الحادة القاسية. . . حقاً، إن الحب جنون!. . .
لست أود أن أثقل عليك، ولكنني أحببت أن أريك كيف شاء القدر أن يسعى للقضاء علي. . .
وأمسك الرجل برهة ليفرغ في جوفه بقية كأسه، بينما انبعث صوت العجوز من داخل البيت:
- الفريدو. . . إننا الآن في ساعة متأخرة
فضحك سائلاً إياها أن تدعه وما يشاء، ثم عاد يتابع حديثه:
- برح بي الهوى حتى لم يبق مني غير هيكل بال لرجل ضعيف. فلم أعد أهتم بالعمل، أو آبه للفن حتى لطالما اشتجرت مع والدي إذ أضعت عليه كثيراً من الصفقات المربحة
ولو أن الأمور سارت على هذا المنوال، لغادرت بيروجيا إذ ذاك مطرحا عملي، هاجراً موطني. غير أن الأقدار أشفقت علي، فساقت إلي الشفاء يوماً. فقد عادت جيوفانا إلى المدينة، وقابلتها في الطريق، فلم أتردد في البوح لها بما يعتلج بين جوانحي من غرام. فأطرقت تصغي إلي برهة، ثم تحولت فحدقت في عيني، وابتسمت