للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد جلس توفيق مثل هذا المجلس من قبل مراتٍ ومرات؛ ولكنه لم يكن في مرة منها في مثل حاله الليلة

هذه فتاة لم يعرفها إلا منذ ساعات؛ دعاها إلى خلوة للهو والشراب فما تأبَّتْ - ماله يُحس في مجلسها هذا الإحساسَ الغامض حتى لا يكاد ينظر إليها نظرةَ رجل إلى امرأة! وما باله يشعر في مجلسه منها كأنه قد ارتفع عن بشريته حتى ليستشعر الندم لأنه دعاها إلى هذا المجلس من مجالس اللهو الحرام!

وشعر كأن روحاً خفيّاً يهمس في نفسه، وشعاعاً لطيفاً من نور الله ينفذ إلى قلبه؛ فكأنما قام بينهما حجاب من الوهم يمنعه أن ينفذ إليها ويمنعها.

وأطاف به طائف فأطرق، ثم رفع إليها عينيه ونظر. . .

وامّحت فيه كلُّ معاني (الجنس) لتحل فيه معاني (الإنسان). . .

وفاء إلى نفسه بعد برهة فسخر من نفسه، وراح يقاوم هذا الطارئ الجديد في قلبه ويسكب في كأسها وفي كأسه؛ وأخذا يشربان!. . . وانتصف الليل وصحبته الفتاة إلى غرفته. . . فإنها لتعرف أن عليها لصديقها حقاً ينبغي أن تتهيأ له؛ فما يَدْعوها مثُله من روًَّاد البحار إلا لمثل ذلك. . .!

. . . ولكنه. . . ولكنه في تلك الليلة كان غيرَ من كان، ونام ونامت كما يقتسم الأخَوان الفراش!. . .

ولما قام ليودِّعها في الصباح إلى الباب، كانت مطرقة برأسها إلى الأرض وفي عينيها دموع!

وتلاقيا من بعد مرات، ودَعَتْه إلى زيارة أهلها فلبَّى، وتوثقت بينهما عقدة الحب على طهر وعفاف!

وذاق توفيق لوناً من الحب لم ينعم بمثله فيما فات من أيامه!

وقال لها: مارتزا! سنفترق يا حبيبتي؛ وستبحر السفينة بعد أيام لتضرب في مجاهل البحار؛ فاذكريني، واكتبي إليَّ كلما تهيأت لك فرصة!

وتغرغرت عينا الفتاة وقالت: توفيق! بربك لا تذكر الفراق! خذني معك! إنني لا أطيق!

وفكر الفتى قليلاً، ثم ذهب إلى الرُّبان يرجوه أن يقبل مارتزا وصيفة في السفينة. ولكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>