وألفت ما تبدد من شمل عزيمتي وصعدت إلى غرفة الأساتذة، الغرفة التي صاولت فيها من صاولت، وكايدت من كايدت، يوم كنت أحسب أن مغايظة الرجال لن تكون لها عواقب سود. . . فماذا رأيت؟
رأيت الأستاذ لطفي جمعة قد انحاز إلى شابين من طلبة الكلية يدبر معهما خطط النضال، فأردت أن أفسد ذلك التدبير بدعوته إلى المسارعة بالنزول إلى المدرج الأكبر حيث ينتظر جمهور المستمعين. ولكن لم أفلح، فقد تعلل بأنه ينتظر فنجاناً من القهوة، ورجاني أن أعفيه من حضوري لحظات!
وسألت عن نصيري في المناظرة فرأيت فتاة حيية اسمها ليلى، وفتىً ناشئاً اسمه صادق، فحدقت فيهما وقلت: أين تقعان مما أريد؟!
ونزلت إلى المدرج بعد أن أعلن الدكتور إبراهيم مدكور أن الطلبة هم الذين سيبدءون ثم تقع الموقعة بيني وبين غريمي
وبعد تلبث وتمكث حضر الأستاذ لطفي جمعة ومعه نصيراه من الطلبة، ونصير ثالث هو الدكتور أحمد موسى، وهو فيما سمعت أديب متمكن من ناصية الفكر والبيان
ثم صرح رئيس المناظرة بأنه أستاذ ونائب، وأنه سيطبق اللائحة الداخلية إذا وقع بين المتناظرين شجار، فعرفت أن الأمر جد في جد، وأنى سأعاني من هذه المناظرة ليلةً نابغية
وشرعت ليلى تتكلم، ليلى يوسف، وهي فتاة جملها الله بالأدب والحياء، فما كانت إلا دمية مصقولة صيغت من العقل والذوق، وسيكون لها في حياة الأدب تاريخ، وقد تفوق الفتاة المبغومة الصوت التي نضجت قبل الأوان فأضر بها الزهو والخيلاء
ولكن ليلى ستلحن كما تلحن سائر (الليالي) ستلحن لحناً خفيفاً في مواطن لا تسلم فيها ألسنة (بعض) الأساتذة، ومع ذلك يثور الجمهور ويصخب ليصح له أن يضايقني ويضايقها باسم الغيرة على قواعد اللغة العربية!
ثم يتكلم الشيال أفندي فيقترح أن يحال الدكتور زكي مبارك إلى المعاش لأنه من دعاة الفوضى الاجتماعية ولأن مؤلفاته تشهد بأنه يستهين بالعادات والتقاليد!
ويتكلم بعد ذلك محمد عبد الرحمن صادق أفندي بأسلوب يشهد بأنه من طلبة كلية الآداب، كليتنا الغالية التي نذكر عهدها بالحب والعطف، ونعرف فضلها في تثقيف الأذواق والعقول