ويميل بدير متولي أفندي على أذني فيسر إلي أنه قد يستبيح ما لا يباح في تحقير الرأي الذي أرتضيه، فآذن له بذلك، لأني من أقوى أنصار حرية الرأي، ولكن الفتى يخلف ظني به كل الإخلاف فيعلن عجبه من أن أكون مفتشاً بوزارة المعارف مع أني من دعاة الفوضى الاجتماعية، ويدعو الجمهور إلى الحذر من آرائي!
ويجئ دوري في الكلام فأبدأ بالثناء على الطالبين اللذين شتماني بلا ترفق ولا استبقاء، لأنهما من طلبة كليتنا الغالية، ولأنهما سمعا أصوات مصطفى عبد الرزاق وطه حسين وشفيق غربال، ولأننا حضرنا لتمرينهم على النضال والصيال
ثم أشرع في الخطبة التي أعددتها في سهرتين طويلتين، وبعد لحظات يقوم شاب ثائر فيقاطعني مقاطعة عنيفة ويؤلب عليَّ الجمهور بشطط وإسراف، وأنظر فأراه أحد تلاميذي، التلاميذ الذين كنت أشقى في سبيلهم إلى عهد قريب
ويدور رأسي من هول ما أراه، فهذا الشاب كان موضع ثقتي، وكنت أكرمه لنفسه ولأخيه ولقرب بلده من سنتريس
وتطوف بذهني أخيلة مزعجة: فليس هذا الشاب أول من يغدر ويخون، وليست ليلتي هذه أول ليالي في المحرجات والمضجرات، ولن تكون آخر العهد بشقائي في رحاب كلية الآداب، فسأرجع إليها لخدمة الأدب والفلسفة بعد عهد قريب أو بعيد، يوم يعتدل الميزان. وأنظر فأرى الأستاذ لطفي جمعة قد اطمأن واستراح، وأرى أنصاره في جذل وانشراح
هي إذن معركة جديدة سأنهزم في ميدانها المشئوم وسيلحقني عارها الباقي، والله الحفيظ!
وينهض رئيس المناظرة فيهدد الشاب الذي يقاطعني، يهدده بالطرد، فيخشع الشاب ويستكين، ويصفق الجمهور إيذاناً بالشوق لسماع صوتي، فأمضي في إلقاء خطبتي وأنا جريح، وأضيف إلى خطبتي كلمة أقول فيها: إني اشتغلت بالتدريس في كلية الآداب أربع سنين ومن حقي عليها أن تسمح بأن أجهر في رحابها بكلمة الحق
وما قيمة الاشتغال بالتدريس أربع سنين في معهد مصري وقد صرح شاعرنا شوقي بأن كل شيء في مصر ينسى بعد حين!
ما قيمة الاعتماد على الماضي وهو ذخر الفانين؟ وبأي حق أغضب على شاب يقاطعني وقد أخذ عني أصول الثورة والصيال؟