- من عزبة علي بك، حيث كنت أحادثه في شأن الأطيان التي يريد عمك البك استئجارها وقد قضيت الليل عنده
- هنيئاً لعمي ما يملك وما يستأجر. . . أما أنا. . . ولكن ماذا أقول ربنا موجود يا عم الشيخ مصطفى
- يا سي حسين بك دائماً تشكو، قريباً تأخذ ملكك وتتمتع به، المسألة زيادة حرص من سيدنا البك عليك
- قريباً. . . نعم قريباً، بمشيئة الله وبإرادتي أنا لا بإرادة سيدنا البك
وخشي الشيخ مصطفى أن يسمع عن سيده ما لا يحب، فاستأذن ونهض يريد الانصراف، ومد يده إلى حسين فسلم عليه وهو مضطجع والشر يلمع في عينيه وقال له وفي وجهه جذوة الغضب:(قل لسيدنا البك إن حسين لم يعد صغيراً وهو لن يطيق بعد اليوم أن يحيا هذه الحياة وله عندك أكثر من ثلاثمائة فدان. . . كفى. . . كفى أني انقطعت عن التعليم بسبب شحة علي وكنت قريباً من النهاية. . . لا! لا! الصبر بعد اليوم مذلة)
ومضى الشيخ مصطفى، يشيعه، حسين بلعناته، وقد كان هذا الرجل من أبغض الناس إليه، لما عرفه عنه من الملق والمداهنة وشدة المكر، هذا إلى أنه لا يذكره عند عمه إلا بالسوء كأنه يرى في ذلك وجهاً من الزلفى
وتشاءم حسين بمرأى الشيخ مصطفى كاتب زراعة عمه ونائبه في أعماله وزاده مرآه هماً على هم؛ وتذكر أنه ما كان يراه مرة أيام كان طالباً إلا رسب في امتحانه أو أصابه المرض إن لم يعقب مرآه امتحان
والتفت حسين نحو الترعة يريد أ، يغيب في سكونها ثورة نفسه فأبصر تلك البدوية الحسناء وقد حسرت ثوبها عن ساقيها الجميلتين ونزلت في الماء تغترف منه في إناء صغير من الفخار، وتبدت لعينيه كأنها تلك الجنية التي كان يسمع من أوصافها وهو صغير ما كان يخفق له قلبه رعباً. . . ولقد خفق قلبه الآن لمرآها ولكنها اليوم خفقات الإعجاب بهذا المنظر الساحر الفاتن. . .
وكأنما كانت بما تأتيه من حركاتها الرشيقة تدعوه ليحدثها وما كان بحاجة إلى هذه الدعوة فقد خف إليها وحياها في جرأة فردت في فتور وهي تغريه بعينيها وتتكلف الحياء فتشيح