بوجهها عنه وهي منحنية على الماء، وسألها عن اسمها فتباطأت لحظة وهي تبسم له ابتسامة نفذت إلى قلبه ثم قالت:(خادمتك عفراء. . .) ووثبت إلى الشاطئ ووضعت الإناء فوق رأسها وهمت معجلة بالانصراف، فاستوقفها فتأبت، فقال: إنه لن يسمح لها بالسير إلا على موعد. فضحكت وقالت: حتى ترى القمر في الضحى؛ وأجاب من فوره: ها قد رأيته، وأشار إلى وجهها الجميل. . .
ولم تكد تخطو حتى مر بالكوخ فتى في نحو الثلاثين كره حسين مرآه، ففي لفتته لفتة الذئب ورآه ينظر نحو عفراء نظرة ملؤها الغضب والغيرة
عاد حسين إلى القرية بعد عشرة أيام قضاها في منعزله على ضفة الترعة، حيث كانت توافيه إليه عفراء كل ليلة فتجلس معه ساعة أو بعض ساعة
ووصل إلى منزل عمه وقد غربت الشمس فوجده جالساً على كرسيه أمام داره وحوله جلساؤه وعلى مقربة منه كاتب زراعته؛ وألقى الفتى إليهم السلام فردوا جميعاً إلا عمه فقد نظر إليه نظرة كريهة لمح فيها لأول مرة إلى جانب البغض ما يشبه التشفي. . . وعجب حسين أن رأى معاني الرثاء واضحة في نظرات من لقيهم من الخدم وقرأ على وجوه الخادمات وبخاصة عزيزة أن كلا منهن تريد أن تفضي إليه بنبأ، فاضطرب قلبه في جوانحه وقد فهم كل شيء. . .
ونادى عزيزة فأقبلت عليه لا تدري كيف تفضي إليه بما تريد من نبأ، فارتسمت على شفتيه ضحكة متكلفة حزينة كأنما يقول لها بها: هيه لا تخافي. وقالت عزيزة (يا سيدي حسين ستي ثريا هانم خطبوها خلاص وكتب الكتاب بعد شهر. . .)
وأحس كأن قلبه يدمي في جوانحه؛ وتقطعت أنفاسه كأنما مسه نصب شديد، ولكنه تجلد ريثما صرفها، ثم أسند ظهره إلى حائط البيت يخشى أن يسقط على الأرض. . . ثم مشى يجر رجليه فأوى إلى مضجعه وجلس في الظلام ساعة. . .
وبث اليأس في قلبه البأس والقسوة فلن يعبأ بعد اليوم بشيء وهو يريد أن يعرف أولا ماذا ترى ابنة عمه فيما أريد لها، ولذلك وثب من مكانه لا يدري أين يذهب ولا من يسأل، وفي مخيلته نظرة عمه وما فيها من معاني التشفي، وفي نفسه وساوس وهواجس ونيات سود فزع حتى في ساعة يأسه منها. . . وما قيمة حرمانه مما يرث إلى جانب حرمانه من أمله