قضى ليلته مشرد اللب خائر البدن تفزعه الرؤى السود وتنهش أحشاءه المخاوف، وات يخشى على نفسه هو، ومن يدريه فلعل ذلك الذئب قد علم من حيث لم يدر هو ولم تدر عفراء، بما أفضت به إليه. . . لعله رآها تهمس في أذنه ومثله من يرتاب في كل شيء ومن يفهم باللمحة الخاطفة، وأغمض جفنه، فرأى وهو ين اليقظة والنوم أنه ماثل أمام أبيه مغلول اليدين والدماء على ملابسه ويديه، وعمه في أكفانه ينظر إليه من كثب ولا يستطيع أن يتكلم. . . ومرت بوجهه أنفاس الفجر الندية فقام وهو لا يكاد يقوى على القيام. . . ثم عقد النية أن يخبر الشيخ مصطفى بما علم وهو الكفيل بأن يقضي على الذئب قبل أن يقضي الذئب على عمه
وأرسل من جاءه بالشيخ مصطفى، وجلس كاتب عمه بين يديه ساكتاً، وسكت حسين لحظة
- تألمت والله يا سيدي حسين لما علمت بنبأ الخطوبة الجديدة
- ليه؟ هذا نسب عال. . .
- على كل حال أنت أولى من الغريب ولكن ما الحيلة؟
- يا سيدي دي قسمة وربنا هو اللي عمل كده. . . هل يكون العقد بعد شهر صحيح؟
- لا، ربما كان قبل ذلك فالبك مستعجل
وأمسك حسين وصمم على كتمان ما علم، ولكنه حار كيف يصرف الشيخ مصطفى. . . واستأذنه لحظة وراح يمشي على ضفة الترعة جيئة وذهاباً وهو ضائق بما كان يبدو له من نظرات التشفي في وجه الشيخ مصطفى وإن بالغ في إظهار تألمه. . . وناداه فأفضى إليه بما علم، ثم صحبه إلى القرية وقد أصبح يخاف من كوخه
وانقضت أيام، أخذ يزداد فيها حسين قرباً من عمه بعد أن كان موضع الريبة والحذر الشديد، فقد اتهمه الشيخ مصطفى عند عمه بتدبير الجريمة، ولكن الشيخ مصطفى ما لبث أن جاء من لدن عفراء بالخبر اليقين. . . وأجل العقد الذي أريد من قبل ليحل محله عد التخلص منه عقد أخر. . . وأخذت الأيام تبتسم لحسين بعد عبوس مخيف طويل، ولم يعد يكدر على الأسرة صفوها إلا خوفها وحذرها البالغ على حياة البك، ذلك الحذر الذي كان يتجلى في إحاطة منزله ليلاً بالحرس الساهرين