ومن أجل ذلك لم يصطف الله أمة من الأمم المتحضرة كالرومان والفرس لحمل رسالة الإسلام مع أنهما كانتا على علم كثير وحضارة عظيمة، بل اصطفى العرب لتلك الرسالة، رسالة الفطرة والبساطة، لأنهم أقرب الناس في حياتهم من مبادئ الحياة العامة التي تجعل الإنسان شيئاً من الطبيعة غير منفصل ولا معزول عنها بجو صناعي، ولأنهم يكونون وهم الغالبون أسرع من المغلوبين إلى ما يحقق العدالة والمساواة، إذ لا يشعرون بفرق كبير بين حياتهم في الحكم وأبهته، وبين حياتهم على قدم المساواة مع أقل الناس تكاليف
واعتقادي أن الرجل الأوربي أو (الرجل الأبيض) على العموم لا يمكن أن ينهض برسالة المساواة بين الناس، لأنه يجد في شكله جمالاً وفي قده اعتدالاً وفي عقله تركيباً، وفي حياته على العموم زيادات لا يجدها عند سواه. . . بل إن بعض أنواع الرجل الأبيض - وهم الجرمان - قد بدءوا فلسفة جديدة في الفروق الجنسية لا يمكن مطلقاً أن تقوم معها عدالة أو مساواة حتى بين أنواع الرجل الأبيض نفسه. . .
وقد يكون للبيض بعض العذر من ملاحظة الفروق الظاهرة بين بيئاتهم وبيئات الأجناس الملونة، فلا يجدون أنفسهم تطاوعهم على تناسيها، والنزول بين غيرهم من بني البشر على قدم المساواة، لأنهم أولاً معزولون من قديم الزمان عن الاتصال بالأجناس الملونة التي تسكن في وسط الأرض وحوله، فلا يعلمون جوهر نفوسهم ولأنهم ثانياً يعتدون بشكليات الحياة اعتداداً كبيراً، ولذلك ملئوا حياتهم بها؛ فلا يمكن مطلقاً أن يغتفروا الفرق بين الجلدة البيضاء والجلدة الصفراء والسوداء والحمراء. . . وإنهم ليغفرون الفروق بين الإنسان والكلب، فيحتضنون الكلاب ويقبلونها ويبكون رحمة لها ويعاملونها بالحسنى، ولكنهم يأنفون من رؤية الرجل الملون ويهينونه ولا يرحمونه ولا يجتهدون في رفع حياته وإنقاذه من وثنياته وخرافاته. مع أنهم فتحوا دياره بالقوة منذ أكثر من قرن، وعندهم من وسائل إخضاعه للتعليم والتهذيب بالإحسان والقوة الشيء الكثير. . . ولكنهم مشغولون فقط بالبحث عن الذهب الأصفر والذهب الأسود. . .!
والذين شاهدوا الشريط السينمائي الذي عرض في بعض دور السينما بالقاهرة منذ قريب عن حياة (لفنجستون) الكاشف الإنجليزي المشهور، يدركون تماماً ما يرمى إليه واضع هذا الفلم ومخرجه من نقد، لإهمال التبعات الملقاة على عاتق الرجل الأبيض في تحضير هذه