للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قامت الوزارة منذ مدة بعمل آخر في تشجيع الثقافة فجرت على عادة شراء مقادير من المؤلفات التي تصدر من وقت إلى آخر تعضيداً للمؤلفين وتعويضاً لهم عن قلة ما يباع من كتبهم. ولا ريب أن هذا التشجيع بشراء الكتب ولو لوضعها في مخازن الوزارة كان فيه بعض الفائدة في ذاته، إلا أنه كان من قبيل دخول الحكومة في سوق القطن بالشراء إنقاذاً لقيمة المحصول من أن يباع بقيمة دون قيمته، وضنا بثمرة جهود المنتجين أن تضيع هباء، وتشجيعاً لهم على المضي في الإنتاج

غير أن الناس لم يلبثوا أن فطنوا إلى ما نبه إليه المستر طود الاقتصادي المختص بشئون القطن وهو أن هذا العلاج محدود الأثر؛ فإن القطن الذي تشتريه الحكومة اليوم لابد أن تبيعه غداً، وعندئذ يزيد المعروض فيهبط السعر. وإن شراء الحكومة ليس شراء بمعنى الكلمة لأنها ليست مستهلكة له في واقع الأمر، وإنما الشراء الحقيقي من الوجهة الاقتصادية شراء المصانع التي تستهلكه في الصناعة وتستبعده نهائياً من عداد المادة الخام وتقوم بتصريفه في شكل جديد

يحضرني عند التفكير في حل هذه المشكلة حلاً طبيعياً أساسياً ذكر ما توصلت إليه دول أوربا للنهوض بالزراعة ووضعها على أساس علمي

بذلت تلك الدول في أول الأمر جهوداً عظيمة من الناحية المباشرة فذهب عناؤها هباء. ثم أتتها فترة تهيأت فيها ظروف ساعدتها على رفع أسعار المحاصيل الزراعية بسبب اتساع الأسواق العالمية وسهولة النقل، فما هي إلا أن أصبحت الزراعة مهنة رابحة، وسرعان ما انشحذت الملكات وانطلقت نحو الزراعة بأقصى ما أوتيت من قوة فازدهرت الفنون الزراعية من الناحيتين العلمية والعملية. وهكذا عولجت المشكلة من صميم أسبابها.

عانت فرنسا في السنين الأخيرة أزمة نسبية هي ضعف انتشار المؤلفات الفرنسية وذلك لأسباب منها انتشار الراديو والسينما والألعاب الرياضية، فخشي مفكروها ضعف ثقافتها وهي سند مدنيتها، وخافوا أن يهبط بذلك نفوذ بلادهم الأدبي في العالم كما خافوا أن ينحط الإنتاج الفكري عندهم لقلة ما يباع من مؤلفاتهم عن القدر الكافي لعيالة طبقة مؤلفيهم وشحذ هممهم

أجمع هؤلاء المفكرون أمرهم وأنشئوا جماعة برياسة جورج دوهاميل الكاتب المشهور

<<  <  ج:
ص:  >  >>