واستعانوا بوزير معارفهم جان زاي وهو الوزير الذي رآه المصريون عندما جاء منذ عامين لافتتاح معرض الفن الفرنسي الذي كان للكتب الفرنسية فيه حظ كبير؛ وقد تمت إجراءات مهمة بتعاون الوزير المذكور مع تلك الجماعة.
لا شك أن تصريف الكتب في مصر قليل جداً لأسباب تختلف عن أسبابه في فرنسا، وأن ما يباع عندنا من الكتب لا يكفي لسد حاجة البلاد إلى طبقة من المؤلفين المحترفين الذين يستطيعون أن يعيشوا من ثمرة أقلامهم. فعبثاً نحاول أن تخرج البلاد ما فيها من الملكات إلا بإيجاد الحافز.
قال أحد الأدباء في عصر شبيه بعصرنا:(كان الناس في الزمن الغابر يسألون: ما صناعة هذا الرجل؟ فيقال: هو أديب. والآن إذا عرفوا أدبه يسألون: ما صناعة هذا الأديب؟!)
هذه حال لا يصح السكوت عليها، ولا سيما أن لنا مزية انتشار لغتنا في خارج حدودنا انتشاراً من شأنه أن يجعل لمؤلفينا من القراء في غير بلادنا ما يزيد على عددهم في مصر أضعافاً مضاعفة.
لا أريد في هذه الكلمة أن أتكلم عن أسباب قلة الميل إلى القراءة، ولكنني لا أشك في أن الكتب، حتى على أساس هذا الميل القليل غير منتشرة، وأن عدم انتشارها أمر غير طبيعي؛ ومن الأدلة على ذلك كثرة انتشار الصحف والروايات الخفيفة انتشاراً يدل على أن عدم الإقبال على القراءة قد بلغ هذا المبلغ المشاهد في الكتب.
صحيح أن الجمهور أميل إلى القراءة الخفيفة السطحية، غير أن هذا السبب لا يكفي لتعليل البون الشاسع بين انتشار الصحف وانتشار الكتب. إنما العلة الكبرى أن للصحف والروايات الخفيفة أصحاباً يتعهدون نشرها على أساس تجاري وإداري محكم. أما الكتاب في مصر فيتيم ليس له من يتولى أمره، إذ أن كل مؤلف على حدته لا يستطيع شيئاً، والحركة التجارية غافلة عنه، وذلك لسببين: أولهما أن التجارة في مصر رائجة لسبب نأسف له وهو نشاط الأجانب، وهؤلاء لا يقبلون على الكتب العربية إقبالهم على النواحي الأخرى. والثاني أن تجارنا تعوزهم ملكة الابتكار، فتجارة الكتب تختلف عن غيرها في أن الطلب في أمرها يتبع العرض إلى حد بعيد، مع أن العرض في أمر غيرها يتبع الطلب بدرجة عظيمة. وهذا ملموس في كل بلاد وفي كل جهة ليخيل للإنسان أنه لا يوجد ميل