للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اللهجات في سبيل تطورها منهجاً يختلف عن منهج غيرها، فلا تلبث مسافة الخلف أن تتسع بينها وبين أخواتها، حتى تصبح لغة متميزة مستقلة غير مفهومة إلا لأهلها، وبذلك يتولد عن اللغة الأولى فصيلة أو شعبة من اللغات يختلف أفرادها بعضها عن بعض في كثير من الوجوه، ولكنها تظل مع ذلك متفقة في وجوه أخرى، إذ يترك الأصل الأول في كل منها آثاراً تنطق بما بينها من صلات قرابة، ولحمة نسب لغوي. وكثيراً ما يبقى الأصل الأول لغة أدب وكتابة بين الشعوب الناطقة باللغات المتفرعة منه؛ ولكنه لا يلبث أن يتنحى عن ذلك بعد أن يكتمل نمو هذه اللغات.

ولهذا القانون خضعت اللغات الإنسانية من مبدأ نشأتها إلى العصر فاللغة الهندية - الأوربية الأولى، قد انشعبت في ضحى الإنسانية إلى مجموعات كثيرة، وكل مجموعة منها تفرعت إلى عدة طوائف، وكل طائفة انقسمت إلى شعب، وكل شعبة إلى لغات وهكذا دواليك. . . ومثل هذا حدث للغة السامية الحامية الأولى ولجميع الفصائل اللغوية الأخرى.

وقد شهدت عصورنا التاريخية نفسها كثيراً من آثار هذا القانون، فاللغة اللاتينية، وهي إحدى لغات الفرع الإيطالي المتشعب من الهندية - الأوربية، قد أخذت هي نفسها في أواخر العصور القديمة وفي العصور الوسطى تتشعب إلى عدد كبير من اللهجات، وأخذت كل لهجة من هذه اللهجات تسلك في سبيل تطورها منهجاً يختلف عن منهج أخواتها، حتى انفصلت عنها انفصالاً تاماً، وأصبحت لغة متميزة مستقلة غير مفهومة إلا لأهلها. وقد بقيت اللاتينية مدة ما لغة أدب وكتابة بين الشعوب الناطقة باللغات المتفرعة منها (الفرنسية والإيطالية والأسبانية والبرتغالية ولغة رومانيا. . .) ولكنها لم تلبث أن تنحت عن ذلك بعد أن اكتمل نمو هذه اللغات

والعصر الحاضر نفسه يشهد كثيراً من آثار هذا القانون. فلانتشار اللغة الأسبانية في مناطق شاسعة من الأرض ولاختلاف الطوائف المتكلمة بها، أخذت تفقد وحدتها، فانشعب عنها في أمريكا الجنوبية لهجات كثيرة تختلف كل منها عن الأسبانية الأصلية اختلافاً غير يسير في كلماتها وأصواتها؛ بل إن بعض هذه اللهجات أخذ يختلف عن الأسبانية الأصلية في القواعد نفسها

وهذا هو ما يحدث الآن للإنجليزية والألمانية. فقد أخذت إنجليزية الولايات المتحدة بأمريكا

<<  <  ج:
ص:  >  >>