للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفروق آثاراً بليغة في تفرع اللغة الواحدة إلى لهجات ولغات

٥ - عوامل جسمية فيزيولوجية تتمثل فيما بين سكان المناطق المختلفة من فروق في التكوين الطبيعي لأعضاء النطق فمن المحال، مع فروق كهذه، أن تظل اللغة محتفظة بوحدتها الأولى أمداً طويلاً

فانقسام المتكلمين باللغة الواحدة، تحت تأثير هذه العوامل، إلى جماعات متميزة، واختلاف هذه الجماعات بعضها عن بعض في شئونها السياسية والاجتماعية، وفي خواصها الشعبية والجسمية والنفسية، وفيما يحيط بها من ظروف طبيعية وجغرافية، كل ذلك وما إليه يوجه اللغة عند كل جماعة منها وجهة تختلف عن وجهتها عند غيرها، ويرسم لتطورها في النواحي الصوتية والدلالية وغيرها منهجاً يختلف عن منهج أخواتها، فتتعدد مناهج التطور اللغوي حسب تعدد الجماعات، ولا تنفك مسافة الخلف تتسع بين اللهجات الناشئة عن هذا التعدد، حتى تصبح كل لهجة منها لغة متميزة مستقلة غير مفهومة إلا لأهلها

ويبدأ الخلاف بين هذه اللهجات من ناحيتين: إحداهما الناحية المتعلقة بالصوت، فتختلف الأصوات (الحروف) التي تتألف منها الكلمة الواحدة، وتختلف طريقة النطق بها تبعاً لاختلاف اللهجات؛ والأخرى الناحية المتعلقة بدلالة المفردات، فتختلف معاني بعض الكلمات باختلاف الجماعات الناطقة بها

أما سواء في ذلك ما يتعلق منها بالبنية (المورفولوجيا) أو ما يتعلق منها بالتنظيم (السنتكس)، فلا ينالها في المبدأ كثير من التغيير. وإليك مثلاً اللهجات العامية التي انشعبت عن العربية بالعراق والشام والحجاز واليمن وبلاد المغرب. . . فإنه لا يوجد بينها إلا فروق ضئيلة في نظام تكوين الجمل وتغيير البنية وقواعد الاشتقاق والجمع والتأنيث والوصف والنسب والتصغير. . . وما إلى ذلك؛ على حين أن مسافة الخلف بينها في الناحيتين الصوتية والدلالية قد بلغت حدا جعل بعضها غريباً عن بعض، كما سبقت الإشارة إلى ذلك

ولكن هذه الوحدة في القواعد لا تقوى على مقاومة عوامل التفرقة إلا لأجل معلوم؛ ثم تهن قواها وتستسلم لهذه العوامل، فيصيبها منها ما أصاب الصوت والدلالة من قبل، وحينئذ تقوى وجوه الخلاف بين اللهجات، وتبدأ مرحلة تحولها إلى لغات مستقلة، ولا تنفك تذهب

<<  <  ج:
ص:  >  >>