وهداها وحيرتها أفلا يصلح هذا أستاذاً لأدب النفس؟ فإن كان لا يصلح، فمن ذا الذي يصلح؟!
- ولكن هذا الذي رويته من حياته يدل على أنه من رجال الدنيا المغامرين الذين يجرون وراء الرزق والمادة من آسيا إلى أفريقيا إلى أمريكا فكيف تقول إن هذا رجل فرغ من الحياة واستغنى عن مادتها؟
- البلبل يطير من فنن إلى فنن يتلقط رزقه، ولكنه لا يقضي كل وقته في البحث عن طعامه، وإنما يقضي أغلبه في الشدو والترتيل فهما طبعه وقد اختص بهما، وليس الأكل من طبعه إلا كما هو من طبع الخلائق، وليس الشدو والترتيل من خصائص غيره إلا من كان على طرازه من الخلائق. فأبو ماضي لم يجد رزقه في الشام فطار إلى مصر، فوجد فيها الرزق مقدوراً عليه فطار إلى أمريكا، فوجد فيها رزقاً مباحاً طاهراً قد يكون كثيراً وقد يكون قليلاً ولكنه نقي غير محسود، فلا عجب إذا اطمأن أبو ماضي هناك. . . ولكن ثقي أنه يحن إلى الشرق، ولعل أغلب حنينه يهتاج إلى مصر فهو يقول:
وطنان أشواق ما أكون إليهما ... مصر التي أحببتها وبلادي
ومواطن الأرواح يعظم شأنها ... في النفس فوق مواطن الأجساد
حرصي على حب الكنانة دونه ... حرص السجين على بقايا الزاد
بلد الجمال خفيه وجليه ... والفن من مستطرف وتلاد
عرضت مواكبها الشعوب فلم أجد ... إلا بمصر نضارة الآباد. . .
- ولكن هذا شعر يسير المعنى قريب اللفظ. . . أليس له شعر أحلى؟
- له. . . له كل هذا الديوان الذي في يدي، وله غيره. . . وبارك الله لصاحب الرسالة الذي ينشر فيها بين الحين والحين شيئاً من شعره، وكم أريد أن أقول أيضاً بارك الله لوزارة المعارف لو أنها عطفت على تلاميذها وطلابها ويسرت لهم شيئاً من هذا الشعر
- ولكنه لا يزال حياً يرزق، والدولة لا تخلد إلا من فارق الحياة. . .
- فأل الله ولا فألك، فوزارة المعارف تخلد كلام الأستاذ الجارم الموظف بوزارة المعارف، ووزارة المعارف تخلد كلام الأستاذ أحمد أمين عضو لجان وزارة المعارف، ووزارة المعارف تخلد كلام الدكتور طه حسين بك مراقب الثقافة بوزارة المعارف، ووزارة