أصواتاً موسيقية من الجلد والخشب والمعادن، أو يقيم أهراماً وعمارات ذات أرصاد وأوضاع محبوكة وفنون بارعة؟
وهل رأيت نوعاً آخر اخترع طيارة وسيارة وراديو وتلغراف وتليفون وتلفزيون وغيرها وغيرها مما يصيد به الأصوات ويقتنص الأضواء والمسافات؟
ثم هل رأيت نوعاً آخر يسكر (ويحشش) ويدخن (ويشم) ويقامر ويقيم مهازل ومساخر بذكاء ومهارة؟ هل رأيت غيره يزارع ويتاجر ويضارب بعمليات اقتصادية معقدة غاية التعقيد؟
هل رأيت غيره يحارب بآلات كلها إبداع وبراعة تكاد تجعلها عند المتطلعين لما يولد في الكون من عجائب والمتوسمين لما في حياة الإنسان من بدع، فرجة من فرج القلوب تعلى شأن الحروب؟!
تخيل جميع الأساطيل الجوية والبحرية وجميع الجيوش البرية انطلقت في الجو والبحر والبر، يعبئها ويزجيها وينسقها الإنسان ذو الجمجمة العجيبة. . . تملأ الأثير بلمعات فكره وومضات خواطره لتعلم أيُّ فن إلهي هذا الإنسان المخلوق من ماء مهين!
تخيل مدينة عظيمة كنيويورك أو لندن أو برلين أو القاهرة بما فيها من فنون الحياة والأفكار والشعور. وما يغمرها من الأضواء والألوان وما يضطرب في أحشائها من المصانع والمعاهد والمعابد، وما يثوي فيها من دور الكتب والآثار ومخازن التحف وأدوات الجمال، وما تسيل به شوارعها من وسائل الأنتقال، وما تضج به من الأصوات والمقالات والخطب والأسمار ولأحاديث، وما يتوزع فيها من الأعمال والأموال والحرف تخيّل هذا ثم قل: هل رأيت في الحياة منذ دخولك إليها نوعاً غير الإنسان يقيم أسواقاً للحياة مثل هذه الأسواق؟ ثم هل رأيت نوعاً آخر يعلو بالحياة حتى يأتي في علوه بالعجب العجاب. . . ويسفل بها حتى يأتي في السفالة بالعجب العجاب؟. . . وهل رأيت نوعاً آخر يتفنن في وسائل متاعه هذا التفنن الذي تراه في السينما والمسرح ومخازن الملابس والفرش وأدوات الزينة؟. هل رأيت. . وهل رأيت؟
وأخيراً هل رأيت نوعاً آخر يترقى في سلم الحياة باطراد وخطى ثابتة وقياس متناسب بعد أن أتى عليه (حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) كما قال القرآن؟